IMLebanon

المطار… “عيديّة” الاستقلال الأولى

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

لطالما تصدّر مطار رفيق الحريري الدولي، مشهد الأحداث اللبنانية. هو صورة الدولة ومقياس هبوطها وانحطاطها، وأيضاً إقلاعها وتطوّرها. مرّت على هذا المِرفق “رحلات ذهبية” عندما استحقّ لبنان عن جدارة لقب “سويسرا الشرق”. كما شهد أزمات واعتداءات، في كلّ مرة، يُلقَى به في آتون الصراعات المحلية والإقليمية، تحت عناوين “الوطن البديل”، “المقاومة”، “طريق القدس”… ومع اندلاع حرب المشاغلة التي فتحها “حزب الله” لإسناد غزّة، اتّجهت أنظار وهواجس اللبنانيين إلى شريانهم الخارجي الأساسي، خصوصاً أنه يقع ضمن منطقة النفوذ الإيراني المتفلّتة من مرتكزات هيبة الدولة الفعلية وواجهتها الثقافية والسياحية، فالطرقات والمداخل المؤديّة إلى المطار، تعجّ بمعرض من الكتابات والصور والرايات، تشي بأنّ هذه البقعة خارج الجمهورية اللبنانية.

هذه المخاوف ارتفعت مع اختراق الجيش الإسرائيلي ترددات برج المراقبة في 28 أيلول 2024 (بعد يوم من اغتيال السيّد حسن نصرالله)، مهدّداً باستهداف طائرة مدنية إيرانية في حال هبوطها، وأنه لن يسمح بنقل الأسلحة إلى “الحزب” بـ “أي شكل من الأشكال”، مما دفع السلطات اللبنانية للطلب منها العودة. واللافت في الإنذار الإسرائيلي وقتها، أنه لم يُرسل عبر “اليونيفيل” أو أي جهة دولية، بل بعث رسالته مباشرة، حين كانت الطائرة تُحلّق في الأجواء العراقية.

وفي نافذة على سجلّ مطار بيروت، الحافل بالاعتداءات الإسرائيلية، تعرّض لأوّل عدوان في 28 كانون الأول 1968، ردّاً على هجوم وقع قبل يومين على طائرة إسرائيلية في أثينا، نفذته “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” المتمركزة في لبنان. وعام 1982 أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تقدمت قوّاته باتجاه منطقة خلدة، التي شكّلت مركزاً للمقاتلين الفلسطينيين، فقصف الطيران الإسرائيلي مطار بيروت ودمّر 6 طائرات تابعة لخطوط “طيران الشرق الأوسط”. والاعتداء الأخير كان في حرب تمّوز 2006، حين قصف سلاح الجوّ الإسرائيلي مطار رفيق الحريري الدولي ودمر ثلاثة مدرجات، ما أخرجه كليّاً عن الخدمة وبقي مقفلاً حتى 17 آب من العام نفسه. يومها زعمت حكومة إيهود أولمرت، أن إيران كانت تستخدمه لتزويد “حزب الله” بالسلاح والعتاد.

بالعودة إلى الوضع الراهن، وكي لا يكسر التاريخ مجدّداً أجنحة المطار، وبعد اشتداد الحملة العسكرية الإسرائيلية على لبنان، سارعت السلطة السياسية إلى سحب الذرائع المنسوجة بخيوط إيرانية، ووضعه في عهدة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية. في هذا السياق، أشارت مصادر مطلعة إلى أن “الإجراءات التي يتخذها الجيش، تسري على جميع الجنسيات والجهات من دون استثناء، والبلبلة التي أثارها الممتعضون من جرّاء تفتيش الوفد المرافق لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، لن تؤثّر على عمل الأجهزة المولجة بحماية المرفق”، لافتةً إلى أنّ “الأوامر تشدّد على عدم التساهل في أي خرق أو محاولة لتوريط المطار وأمن اللبنانيين”. كما أثبت الجيش اللبناني والأجهزة المعنية، أن الدولة تحمي نفسها، وفعالية الجيش بضبط حركة المطار عزّزت ثقة المجتمع الدولي، وأثبتت إرادة القوى الشرعية اللبنانية في تطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته عندما تدق ساعة الصفر. ولعلّ مبادرة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى وضع حقيبته على ماكينة “السكانر” من دون أي اعتراض أو تبرّم، تدلّ في رمزيتها على جديّة واحترام الدول في تعاملها مع مبدأ السيادة اللبنانية، واتكالها على المؤسسات الشرعية والدور الموكل إليها راهناً ومستقبلاً.

في الخلاصة، تجدر الإشارة إلى أن المطار الذي شكّل أحد مرافق تقويض السيادة اللبنانية، في “غزوة بيروت” (7 أيار 2008) التي نفّذتها “المقاومة الإسلامية في لبنان”، بعد القرارات التاريخية الصادرة عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي قضت بإزالة شبكة اتصالات هاتفية خاصة أقامها “حزب الله” وبملاحقة مركّبي كاميرات المراقبة في أحد المدارج وقرار نقل رئيس جهاز أمن المطار آنذاك العميد وفيق شقير، بات اليوم، مدماكاً لاستعادة السيادة وتصحيح علاقات لبنان الدولية، وتحقيق استقلاله.