IMLebanon

“الحزب” نمر من ورق

 

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:

تحوّل تحدّي إيواء النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إلى ميدان إضافي سقطت فيه ادعاءات “حزب الله” وانكشف عجزه وسوء تقديره لقدراته الفعلية والحقيقية في احتواء تداعيات المواجهة مع إسرائيل، وهذا ما كشفته الوقائع التي تؤكِّد أنّ “الحزب” عاجز عن الإغاثة كما هو عاجز عن الحماية، ولهذا يلجأ إلى التعبئة العقائدية المكثفة للتعويض عن تقصيره الفاضح، في محاولة لإقناع من خسروا أبناءهم وجنى أعمارهم بأنّ التضحية واجبة في سبيل مشروع الولي الفقيه، من خلال إبراز نماذج عبر وسائل التواصل تبالغ في التعبير عن هذا الاتجاه.

الأولوية لعائلات القياديين فقط

ولا يكتمل مشهد النزوح من دون التحقّق من الادعاءات التي أطلقها “حزب الله” عن استعداداته التي أطلقها عبر قيادييه وكان يزعم فيها أنّ كلّ نازح سيحظى بشقة أو غرفة في فندق أو مركز إيواء في مقوِّمات الحياة الكريمة، واستذكر الناس استعراضات “الحزب” عن “الجيش الأبيض” من الأطباء والعاملين في الخدمات الصحية خلال أزمة “كورونا”، وهم الذين تبخّروا ولم يظهروا في الأزمة الحالية.

الواقع أنّ “حزب الله” بادر إلى شراء واستئجار عشرات أو ربما مئات الشقق في مناطق الشمال وعكار وغيرها منذ ما يزيد عن الستة أشهر، وكان مندوبون عن “الحزب” يجولون في المناطق ليس بهدف إيواء النازحين عموماً، بل لتوفير المأوى “اللائق” بعائلات المسؤولين والقياديين في الحزب، أمّا عموم النازحين، فقد اصطدموا بحقيقة أنّ الحزب اعتنى بعائلات قيادييه، وترك باقي الناس لمصيرهم وأقدارهم… ولدولة كان المساهم الأول في إفشالها.

خلط الأمني بالإغاثي

بلغت ذروة فشل “حزب الله” في احتواء أزمة النازحين عندما انفرط عقد مؤسساته الخدماتية تحت وطأة الضربات الإسرائيلية. وعندما عجزت أذرعه الإغاثية عن الوصول إلى النازحين، وذلك بسبب خلطه عمل الأجهزة الطبية والإغاثية بالمهمات الأمنية والمالية، وهذا ما جعل المندوبين الماليين لـ”الحزب” أهدافاً مكشوفة يجري استهدافهم بشكل متتابع من شقة الباشورة التي احترق ما تكدّس فيها من مئات آلاف الدولارات إلى أيطو وليس انتهاءً باستهداف برجا وبعلشميه، حيث كانت الآثار المالية لـ”الحزب” تنكشف بعد كلّ غارة.

وهكذا تحوّلت جمعيات “الحزب”، ومنها “وتعاونوا” إلى جمعية مطارَدَة إسرائيلياً لا يمكنها الاقتراب المباشر من النازحين الأمر الذي دفع الجمعية للاستعانة بـ”حلفاء” “الحزب”، وتحديداً “الحزب السوري القومي الاجتماعي” للوصول إلى ناشطين من البيئة السنية يقبلون المخاطرة بالعمل لصالح الجمعية، مع عرض “شبه مـُغـرٍ” بمخصصٍ يقارب الألف دولار شهرياً وتقديم سيارة (تابعة للجمعية) للانتقال وتنفيذ مهمة الاطّلاع على أوضاع النازحين وتسجيل احتياجاتهم ثم الإشراف على توزيعها، لكنّ قياديي الحزب القومي واجهوا صعوبات كبيرة في إقناع من يتواصلون معهم للالتحاق بهذه المهمة، التي باتت تُصَنَّفُ على أنّها انتحارية، وزاد في الطين بِلّةً أنّ مالك المبنى المستهدَف في عين يعقوب العكارية ينتمي للحزب القومي، ما جعل من فكروا في العمل مع جمعية “وتعاونوا” إلى التخلّي النهائي عن هذه الفكرة.

يستمرّ هذا المستوى من الانحدار في قدرات “الحزب” على الاستجابة للتحديات التي تواجه البيئة الشيعية، وصولاً إلى إحراج القيادات الحزبية في المناطق المضيفة، كما حصل في الجبل، عندما واصل قياديون في “حزب الله” التسلّل والتواجد بين النازحين، فتسبّبوا بأكثر من استهداف إسرائيلي. كما أنّ ممارسات قياديين آخرين أصرّوا على إدخال السلاح إلى مناطق الجبل، أدّت إلى توترات خطرة هدّدت الاستقرار الذي أمّنه الحزب التقدمي الاشتراكي والمجتمع المدني بمشاركة واضحة من النائب مارك ضو وبقية الفعاليات.

إحراج النواب الموالين: الصمد نموذجاً

استمرّت محاولات الاستغلال الأمني لوجود النازحين من قبل كوادر “الحزب”، وهذا ما دفع نائباً مثل النائب جهاد الصمد، الذي افتعل التلاسن مع النائب أشرف ريفي في اجتماع النواب السنة مع الرئيس نجيب ميقاتي للدفاع عن “الحزب”، إلى اتخاذ إجراءات تمنع إدخال الأسلحة إلى مركزَي الإيواء في معهد بخعون المهني والتقني الرسمي وفي فندق “جنة لبنان”.

وقد حصل صدام بين الشبان المكلفين تأمين المعهد وركاب سيارة (ذات زجاج داكن) تابعة لـ”الحزب” حضروا إلى بخعون وحاولوا دخول المعهد رافضين تفتيش السيارة للتأكّد من خلوّها من السلاح. وساد التوتر بين الجانبين ما اضطرّ النائب جهاد الصمد للحضور والتدخّل بحيث حسم الأمر بضرورة تفتيش السيارة إذا أراد أصحابها دخول المعهد وإلاّ فعليهم العودة من حيث جاؤوا، فعادوا أدراجهم بعد أن رفضوا تفتيش السيارة.

لكنّ الأسوأ في كلّ هذا قيام ناشطين في الحزب بإرسال رسائل نصية إلى مئات النازحين تعدهم بدفع مبالغ مالية، ثم يُتبِعون تلك الرسائل بالحديث عن اكتشاف خروقات أمنية فينسون النازحين أصل المسألة وتضيع فكرة دفع المال إلى أن تأتي رسالة جديدة وتتكرّر طريقة الإلهاء ذاتها.

تركيب الصورة

مع تمادي العجز عن الإغاثة يعمد الحزب إلى استغلال التعليم لحقن الطلاب بجرعات “تخدير/تحفيز” عالية وحضّهم على التعبير عنها في مجتمع النزوح، فضلاً عن تكثيف الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي لمئات “الناشطين” الذين يركزون على “الصبر والصمود وتعزيز فكرة التضحية الشاملة لصالح “المشروع”.

ولضبط الصورة، فرض “حزب الله” من خلال انتشار عائلاته بين النازحين “نظاماً” على مراكز الإيواء يمنع بموجبه الإعلاميين من دخول المراكز، بل يمنع الجمعيات والجهات المانحة من الاحتكاك المباشر مع النازحين، تحت عنوان “حفظ الكرامة” ويحصر الحديث للإعلام بأشخاص محدَّدين يقومون بتكرار لازمة “الصمود والانتصار”.

كما أثبت “حزب الله” فشله في تنفيذ شعار “حماية لبنان”، فإنّه فشل أيضاً في تأمين الرعاية للنازحين الذين تحوّلوا إلى جزء من حملاته الدعائية، بينما تؤكِّد الوقائع أنّ “الحزب” لم يكن سوى “نمر من ورق” كان يستمدّ قوّته من ضعف خصومه لا أكثر.