Site icon IMLebanon

نكبة تحلّ بصناعة الألبان والأجبان والمونة في البقاع

كتب عباس عثمان في “الأخبار”:

تصنيع الأجبان والألبان من أكثر القطاعات حيوية واتساعاً في منطقة البقاع حيث تتركّز مزارع الأبقار. ونادراً ما تخلو بلدة أو قرية بقاعية من معمل أو أكثر للألبان والأجبان، ويظهر ذلك من خلال تنوّع الأسماء الملصقة على العبوات في المحال التجارية.

ولذلك، أصبح هذا القطاع مورداً مهماً للمنطقة، وتحديداً في بعلبك حيث تنتج عشرات الأطنان من الحليب ومشتقاته يومياً، ما مكنها من توسيع أسواقها والخروج تالياً من حدود المدينة إلى مناطق البقاع الأخرى وحتى بيروت. فمعمل «الشوّاف» مثلاً، وهو أحد المعامل الأساسية في مدينة بعلبك، يوزّع حوالي 5% فقط من منتجاته في بعلبك «تكفي المنطقة وزيادة»، يقول حسام الشوّاف، فيما يبيع الكمية الأكبر إلى مناطق بقاعية أخرى. ومثله معملا «الحلاني» و«اللقيس» الذي وصلت فروعه إلى بيروت.

لكن الحرب التي حلّت بالبقاع، جرفت في طريقها معظم المصالح، ومنها مصلحة الألبان والأجبان، إذ اضطرت غالبية المعامل إلى إغلاق أبوابها. وأوضح الشواف لـ«الأخبار» أن «الحركة توقفت تماماً في القطاع»، ما تسبب بخسائر تقدّر بملايين الدولارات. من بين المعامل التي أُقفلت «مزارع الحلاني» الذي كان ينتج يومياً طنّين من الحليب. صاحب المعمل، محمد الحلاني، باع رؤوس الأبقار في مزرعته، ما «سيصعّب علينا العودة إلى الإنتاج حتى بعد مضي سنة على انتهاء الحرب». ويقول الحلاني: «سنعود لنبدأ من الصفر». «مزارع شمص» التي تنتج 5 أطنان من الحليب يومياً، «خسرت حوالي 300 ألف دولار منذ بداية الحرب»، يقول صاحب المزارع محمد شمص، إذ «اضطررنا مع اشتداد القصف لإتلاف كل ما أنتجناه قبل الحرب بسبب نزوح السكان وإقفال المحال».

وضربت الأزمة أيضاً على أصحاب المزارع التي تنتج مادة الحليب وتبيعها لمعامل الألبان والأجبان. فبحسب عبد الحسن خيرالدين، صاحب إحدى المزارع في المنطقة، «توقفت عملية البيع بشكل شبه كامل بعد توقف المعامل عن الإنتاج»، مشيراً إلى «أننا نضطر للمخاطرة يومياً بالذهاب إلى المزارع التي تقع في مناطق نائية، ونجني الإنتاج من دون أن نملك أدنى فكرة عن كيفية التصريف»، إضافة إلى مشكلة أخرى تتمثّل في «صعوبة إقناع الأطباء بالقدوم لمعالجة الأبقار التي تعرضت لأمراض بسبب الخوف من أصوات القصف ما يحدّ بالتالي من إنتاجها للحليب». وتتمدّد قائمة الصعوبات لتطال أيضاً تأمين الأعلاف للأبقار، إذ إنّ «تجّار التبن يخافون من القدوم إلى المنطقة خشية تعرض الشاحنات للقصف». وهذه حال الكثيرين من أصحاب المزارع الذين وجدوا أنفسهم مضطرين في غالب الأحيان إلى سلوك أحد طريقين، إما بيع الأبقار لمن بقي منهم أو بيعها للملاحم… للذبح.

وزير الزراعة، عباس الحاج حسن، أشار إلى خسائر فادحة في الثروة الحيوانية في بعلبك ومختلف المناطق التي تعرضت للقصف، مقدّراً الخسائر بآلاف رؤوس الأبقار «إما بسبب قصف المزارع أو لقيام عدد من أصحاب المزارع ببيع الأبقار إلى سوريا بـ 400 دولار للبقرة التي يبلغ سعرها 1500 دولار»، وهي خسارة من الصعب تعويضها.

أزمة «المونة»
أزمة المزارع انعكست أيضاً على صناعة «المونة» التي تشتهر بها المنطقة، وخصوصاً المنتجات التي يدخل الحليب في تصنيعها. إذ تزامنت الأزمة مع بداية موسم «المونة» الذي يمتد من بداية شهر أيلول، وحتى بداية فصل الشتاء. ولأن الحرب حلّت بثقلها في عز الموسم، فقد توقفت عملية الإنتاج كلياً، ولم يصمد في القطاع سوى عدد قليل جداً من المنتوجات التي لا تحتاج إلى الحليب. ويلفت محمد ياغي، صاحب أحد معامل إنتاج المونة في بعلبك إلى أنه اضطر لإغلاق المعمل أثناء تحضير «الطلبيات» وإتلافها في ما بعد، لعدم إمكانية إكمال العملية التي تحتاج متابعة يومية للحفاظ على جودتها، كما توقف في بداية الموسم الذي «لم أكن قد بعت منه إلا القليل ولم أستطع تلبية طلبيات كنت اريد تصديرها إلى كندا وفرنسا والنمسا بسبب فقدان المواد الأولية وبشكلٍ أساس الحليب». ومثله فعل آخرون منتظرين فترة الصحو علّهم يسترجعون أعمالاً كانت تشكل المورد الأساس لهم.