Site icon IMLebanon

كلمة امتنان… و”تنذكر وما تنعاد”

كتب اتحاد درويش في “الأنباء”:

مئات النازحين من المقيمين في العاصمة بيروت عادوا الأربعاء إلى قراهم ومناطقهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، وقد عبروا عن فرحتهم بالعودة إلى ديارهم التي هجروها بحثا عن مكان آمن بعد الحرب الإسرائيلية التدميرية والغارات القاتلة التي تسببت بالرعب والدمار الذي حل بالأبنية والمنازل والطرقات، عدا عن التهديد بالقتل في مشهد ترهيبي من خلال الإنذارات الإسرائيلية اليومية.

رحلة العودة بدأت باكرا ولم تنتظر بزوغ الشمس، وقد تجمع المئات أمام مراكز الإيواء وجمعوا ما تيسر من أمتعة وملابس، فيما كانت السيارات والباصات بانتظارهم لتفقد بيوتهم وأرزاقهم التي علم الكثير من أصحابها بمصيرها، الا أنهم أصروا على الرجوع اليها على رغم الدمار التي أصابها. منها ما تضرر بشكل جزئي وأخرى متصدعة ومهددة بالانهيار، الا أن الإصرار بدا لدى الجميع على العودة، معتبرين أن التراب غال والوطن أغلى.

«الأنباء» جالت على عدد من مراكز الإيواء في العاصمة بيروت. ففي مدرسة الشيخ جابر الأحمد الصباح الرسمية في محلة النويري التي تعرضت لأكثر من أربع غارات كانت آخرها مساء أول من أمس مستهدفة مبنى تقع في احدى طبقاته «مؤسسة القرض الحسن»، تجمع عدد كبير من النازحين الذين بلغ عددهم 237 عائلة أكثريتهم من الجنوب وقد غادر القسم الأكبر منهم.

ودعوا بعضهم بعد أن جمعتهم الظروف المأساوية والصعبة في مكان واحد، وامتزجت دموع الفرح بالعودة والحزن على ما خلفته الحرب من فقد للأحبة ومن الدمار الذي تسببت به.

وقد أشادوا بحسن الاستقبال والمعاملة الجيدة من هيئة الطوارئ الحكومية إلى الجمعيات الأهلية، «والدول العربية التي مدت يد العون ومن خلالها جرى تقديم كافة المساعدات التي لم تتوقف حتى في اليوم الأخير الذي قررنا فيه العودة».

وفي مدرسة عمر فروخ في منطقة الكولا التي ضمت 100عائلة من مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية، كان العدد الأكبر قد غادر باكرا كما قال أحدهم. «لم يعرفوا طعم النوم والانتظار كان ثقيلا عليهم. أنا لم أعد بسبب أن بلدتي محيبيب سويت بالأرض، وإذا عدت فلن أجد منزلي، وهذا سيحرق قلبي أكثر على جنى العمر الذي أصبح رمادا بعد أن فخخته الأيادي السود».

وقالت «أم جواد» من بلدة الخيام التي فقدت عددا من أفراد عائلتها وقد جلست في إحدى الباصات تنتظر العودة إلى بلدتها: «على رغم الأضرار الكبيرة التي حلت بمنزلي، أعود اليه لأن التراب غالي والرزق غالي، وتبقى الغصة في قلبي على الأحباء الذين فقدناهم».

وفي مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية في منطقة رأس النبع التي ضمت 800 شخص من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، شوهدت الحقائب والأغراض الشخصية على مدخل المدرسة حتى ساعات ما بعد الظهر، في انتظار أن يخف الازدحام الكثيف على الطريق الساحلية باتجاه الجنوب. أما من نزح عن ضاحية بيروت فقد عاد اليها باكرا.

ووسط البكاء والدموع ودع النازخون بعضهم آملين العودة الآمنة والكريمة بعد رحلة من الألم والمعاناة، جراء حرب كانت الأقسى والأشد وطأة، وأملت عليهم النزوح القسري عن ديارهم مرددين «تنذكر وما تنعاد».