Site icon IMLebanon

“الحزب” لن يلتزم

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:

ليس هناك ما يدلّ على أنّ “حزب اللّه” سيلتزم تطبيق اتفاق 27 تشرين الثاني لوقف النار بينه وبين إسرائيل. المؤشرات التي رافقت تصرف الحزب وخطابه السياسي والعسكري توحي وكأنّه خارج هذا الاتفاق وغير معنيّ به ولن يطبّقه. فهو لم يوقّع عليه. وهو لن يتخلّى عن سلاحه وعن عملية إعادة بناء ترسانته العسكرية، ولا توجد قوة لبنانية وغير لبنانية يمكن أن تجبره على هذا الالتزام بغياب قرار سياسي واضح يتبنّى هذا الخيار من أجل تحرير قرار الدولة من سيطرة الحزب.

منذ الساعة الرابعة فجر 27 تشرين الثاني الموعد المحدّد لدخول اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ، أوحى “حزب اللّه” مباشرة أنه غير ملتزم تطبيقه من خلال تحركات عناصره، وعدد من مسؤوليه، على الأرض من الضاحية الجنوبية إلى جنوب الليطاني، وصولاً إلى الجدار عند الحدود، ومن خلال البيان رقم 4638 الصادر عن “غرفة عمليّات المُقاومة الإسلاميّة” الذي يفصّل فيه محطات الحرب والخسائر التي أوقعها في الجيش الإسرائيلي. بينما واقع التطورات على الأرض المترافقة مع البدء بإرسال قوات من الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني يوجب على “الحزب” البدء بالتخلّي عن الخطابات العسكرية. حيث إنّه لا يمكن المواءمة بين مآلات تطبيق هذا الاتفاق وبين احتفاظ “حزب اللّه” بقوّته العسكرية وبحضوره الأمني على الأرض. فالاتفاق واضح لجهة نزع سلاح “الحزب” وتفكيك تجهيزاته جنوب الليطاني، فوق الأرض وتحت الأرض، ومنع إعادة تسليحه من خلال نشر الجيش على كل المعابر الجوية والبحرية والبرية الشرعية وغير الشرعية على كامل الحدود مع سوريا بغطاء أميركي.

برّي وميقاتي خارج سرب “الحزب”

خطاب “الحزب” كان معاكساً لما أوحى به رئيسا مجلس النواب والحكومة اللذان ظهرا وكأنهما يغرّدان خارج سرب “حزب اللّه”. فقد كان الرئيس نبيه برّي يوجّه رسالة إلى اللبنانيين لفتح صفحة جديدة وعدم الدخول في المحاسبة ويدعو لانتخاب “رئيس للجمهورية يجمع ولا يفرّق ولا يشكّل تحدّياً”، ويعتبر أن “اللحظة ليست للرقص فوق الدماء”. وبرّي يُفترض أنّه عالم ببواطن الأمور وبحقيقة موقف “حزب اللّه”. وهو مسؤول أولاً وأخيراً عن تأكيد أن “الحزب” موافق على الاتفاق وأنّه لا يمكن أن يخدعه أو يجعله “مسخرة” في التفاوض. فهو الذي تولّى مسألة التفاوض والتواصل مع “الحزب”، وحصل على موافقته التي نقلها إلى الوسيط الأميركي.

في الوقت نفسه، كان الرئيس نجيب ميقاتي بعد جلسة مجلس الوزراء التي تمّت فيها الموافقة الرسمية على هذا الاتفاق، يدعو “لإعادة إعمار ما تهدّم وبسط سلطة الدولة على كل مساحة الوطن وتعزيز حضور الجيش في الجنوب الجريح”، وهو شريك الرئيس برّي في المفاوضات وفي الرغبة في التوصل إلى هذا الاتفاق، وفي التأكيد على أنّهما لم يمشيا فيه لولا حصولهما على موافقة “حزب اللّه” عليه.

لذلك، لا يمكن أن يكتفي الرئيسان بري وميقاتي بهذه المواقف السياسية إنّما عليهما أن يذهبا نحو المباشرة العلنية بجعل هذا الاتفاق موضع التطبيق الفعلي لأنّه يحظى بتغطية دولية وبموافقة إسرائيلية. وعليهما بالتالي أن يستكملا عملية التغطية الرسمية السياسية للدور المطلوب من الجيش القيام به، ولا يمكن القبول بالسكوت عن التهجّم على قائد الجيش ودور الجيش، سواء حصل ذلك في جلسة مجلس الوزراء التي دُعِيَ العماد جوزيف عون إلى حضورها لشرح الخطة العسكرية التي ستُنفّذ، أم خارج الجلسة. هذا الدور المطلوب من الجيش لا يقوم ولا يستقيم من دون قرار سياسي يقع أولاً وأخيراً على الرئيسين ميقاتي وبرّي، في ظلّ منع انتخاب رئيس للجمهورية. ولأن الغطاء الأميركي لهذا الاتفاق لا يكفي لتغطية دور الجيش بل يكشفه ويجعله ساقطاً من دون القرار الرسمي الواضح والصريح والمباشر.

هوكستين ورهان تطبيق الاتفاق

مساء 27 تشرين الثاني كان عرّاب الاتفاق آموس هوكستين يوزّع تصريحاته في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من محطة ويعلن “أنّ فريق عمل أميركياً مرتبطاً بلجنة مراقبة الاتفاق سيصل إلى بيروت الليلة لمتابعة تنفيذ الاتفاق”. وشدّد هوكستين على ضرورة أن يجتمع مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس جديد، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يتوقّع من النواب التوجّه إلى البرلمان لإتمام هذا الاستحقاق. وأكّد “أن لا مشكلة في أن يكون أي طرف، بما في ذلك “حزب اللّه”، منخرطاً في العملية السياسية”، معتبراً “أن الشيعة في لبنان هم جزء من النسيج اللبناني مثل باقي الطوائف”. وأعرب عن أمله في أن يصبح لبنان قريباً بلداً آمناً. وأوضح “أن حزب اللّه قَبِل بالاتفاق والتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني، وعليه أن يلتزم بهذا التراجع”…

يبدو أن هوكستين الذي يجيد عملية إدارة المفاوضات قد يجهل حقيقة تكوين “حزب اللّه” ودوره وعقيدته. فالحزب لا يمكنه أن يفصل في تكوينه بين ما هو عسكري وأمني وسياسي. ولا يمكن الحديث عن جناح سياسي وعن جناح عسكري. ذلك أنّه لا يمكن أن تجد لسنّة “حزب اللّه” تعديلاً أو تبديلاً أو تأويلاً، وهي تنطبق على كل ما قام عليه منذ تأسيسه.

تكليف شرعي سياسي لا عسكري

احتاج “الحزب” إلى تكليف شرعي ليشارك في الحياة السياسية في لبنان عبر الانتخابات النيابية في العام 1992 ولم يكن بحاجة إلى تكليف شرعي حتى ينطلق كقوة عسكرية وأمنيّة في العام 1982 تابعة للحرس الثوري الإيراني ومكلّفة تطبيق ولاية الفقيه والالتزام بها، ومن أولى مهامها تصدير الثورة الإسلامية في إيران. ومهمة كهذه لا تعني أن تصدير هذه الثورة سيكون إلى إسرائيل. ولذلك فإنّ حرب إيران الإسلامية الأولى كانت ضدّ العراق بقيادة صدّام حسين وكانت وجهتها الرئيسة دول الخليج والمملكة العربية السعودية. ولم يكن تأسيس “حزب اللّه” في لبنان على يد الحرس الثوري وبقوات منه أتت عن طريق سوريا إلّا تعبيراً عن هذه الاستراتيجية التي عاد المرشد السيّد علي الخامنئي وأكّد عليها عندما أعلن أن الحرب هي بين الجبهتين، الحسينية واليزيدية.

لا فصل بين “الحزب” وبين سلاحه

التجارب السابقة تؤكد أنّ “حزب اللّه” الذي لا تبديل ولا تعديل ولا تأويل لعقيدته لن يلتزم بموجبات الاتفاق الأخير لوقف النار. فهو الذي كان وراء استهداف القوات الأميركية والفرنسية في العام 1983، لذا لا يمكن أن يقبل بوصاية أميركية وفرنسية على تطبيق هذا الاتفاق. وهو الذي خاض حربه الوحيدة في الداخل اللبناني ضدّ “حركة أمل” داخل الطائفة الشيعية من أجل أن يؤكد بقاء سلاحه أولاً وسيطرته على قرارات الطائفة وخياراتها وإلحاقها بالقرار الإيراني، فلن يرضى بأن يتخلّى اليوم عن هذا السلاح طالما أنّه باقٍ في تبعيته لولاية الفقيه. وحتى لو كان أعطى الرئيس برّي صلاحية التفاوض إلّا أنّه لا يمكن أن يعطيه حريّة اتخاذ قرار تخلّيه عن سلاحه أو نزعه منه وهو لم يَقُل أي كلمة حول هذا الموضوع.

و”حزب اللّه” الذي انطلق مع أمينه العام السيّد حسن نصراللّه في العام 1992 في خوض مواجهات كثيرة من تموز 1993 إلى نيسان 1996 إلى أيار 2000 وتموز 2006، لن يقبل التخلّي عن سلاحه الذي لطالما أعلن نصرالله أنه سيقطع عنق ويد من يحاول أن ينزعه.

قرارات حبر على ورق

واجه “حزب اللّه” من هذه الخلفية القرار 1559 في أيلول 2004، الذي كان واضحاً في مطالبته بنزع سلاحه، واعتبر أنه مجرّد حبر على ورق ولا يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه. وفي هذه المواجهة خاض “الحزب” حرب وجود من خلال تنفيذ تهديداته المتعلّقة بدوره وبسلاحه واغتال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 واعتبر أنّ الذين نفّذوا هذه العملية قدّيسون لا يمكن أن يطولهم عقاب ولا يمكن اعتقالهم أو توقيفهم على خلفية التكليف الإلهي الذي يتمتع به. ومن هذه الخلفية خاض حرب الاغتيالات وحرب تموز 2006 ورفض تطبيق القرار 1701 الذي طالب بتنفيذ القرار 1559 وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وضبط كل المعابر البرية والجوية والبحرية. ولم يتوانَ “الحزب” عن الدخول في حرب 7 أيار 2008 ضد “تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” ليؤكّد أبدية تمسّكه بسلاحه ومنظومته الأمنية والعسكرية والقضاء على كل من يقف في طريقه. وهو لذلك دخل في الحرب السورية منذ العام 2011 دفاعاً عن نظام بشار الأسد وحتى يبقي طريق طهران بغداد دمشق مفتوحة لتأمين خط التواصل مع دولة ولاية الفقيه التابع لها في طهران. وهو لذلك دفع ثمناً كبيراً في هذه الحرب السورية وتحوّل إلى ضامن لبقاء هذا النظام وإلى وصيّ عليه. كما تحوّل إلى وصيّ على السلطة في لبنان يتحكّم بكل مفاصلها من خلال قوته العسكرية والأمنية من دون أن يسمح لأي كان بأن يسأله عمّن كلّفه لأنّ جواب أمينه العام السيد حسن نصرالله كان حاسماً بأنّه مكلّف من اللّه.

كسر الدائرة المقفلة بانتخاب الرئيس؟

بهذا المعنى يتحرّك “الحزب” بين حدّين لا ثالث لهما: إما أن ينتصر وإما أن ينكسر. وهو بعد كل مواجهة منذ حربه ضد “حركة أمل”، لا يعتبر أنّه قابل للهزيمة، وأنّ نصره من اللّه، وأنّ مقاتليه هم رجال اللّه وأنّ قتالهم لا يخرج عن أساس العقيدة الدينية التي يتحرّكون على أساسها ولا علاقة لها بانتمائهم الوطني وبالقرار اللبناني وبالسلطة اللبنانية. وهم لا يجدون في هذه السلطة وفي الجيش اللبناني إلا أداة لخدمة استراتيجيتهم. ولذلك يستمرّ السيد حسن نصرالله في قيادة “الحزب” من تحت التراب ولا يمكن كسر هذه الحلقة المقفلة التي يأسر بها “حزب اللّه” لبنان، إلّا من خلال استعادة قرار الشرعية وتحرير سلطة الدولة من سلطة الحزب. ويبدأ هذا التحرير من خلال موقف للرئيسين برّي وميقاتي ومن خلال فتح الطريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية يستعيد قرار الجمهورية، ليس ضدّ “الحزب” بل لإنقاذ لبنان، بما يتوافق مع كلمة الرئيس بري يوم 27 تشرين الثاني ومع تحديده يوم 9 كانون الثاني 2025 موعداً لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية. فهل تكون هذه الجلسة موعداً لكسر هذه الدائرة المغلقة؟ أم تسدّ المنافذ عبر تعطيل الانتخاب من خلال التمسك بمنطق الرئيس الذي يحمي ظهر “حزب اللّه”؟