كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
ليس من قبيل الصدفة تزامن زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت مع تحديد رئيس مجلس النواب نبيه برّي التاسع من كانون الثاني المقبل موعداً لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية وهذا ما يدلّ على ظهور معطى جديد قد يؤدّي إلى انتخاب الرئيس.
25 شهراً مرّت على الفراغ الرئاسي، ومنذ أكثر من 17 شهراً والرئيس برّي لا يدعو إلى جلسة الانتخاب. خلال هذه المدّة الزمنية تكرّرت الزيارات الفرنسية والمبادرات، ولعلّ الأسوأ كانت مبادرة باريس لإيصال مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى بعبدا.
فقدت باريس ثقة المسيحيين والأغلبية اللبنانية ولم تكسب صداقة «حزب اللّه» وحركة «أمل» والحلفاء، وسقط ترشيح فرنجية. حاولت ترميم حضورها بعد تراجعها عن دعم مرشح «حزب اللّه» عبر اللجنة الخماسية، لكن ما أصلحه الوقت أفسده الحديث عن دور سيّئ لباريس خلال المفاوضات الأخيرة لوقف إطلاق النار ومحاولتها تحسين شروط «حزب اللّه» وطهران.
لم تأتِ زيارة لودريان من دون دراسة ظروفها، تشير معلومات «نداء الوطن» في هذا السياق إلى أن الفرنسيين اتصلوا بالمملكة العربية السعودية للاطلاع على موقفها، من خلال التواصل بين قصر الإليزيه والقصر الملكي السعودي، وكان الموقف السعودي واضحاً بدعم لبنان وعدم التدخل بالأسماء، وانتخاب رئيس سيادي وإصلاحي يقود المرحلة الأمنية والعسكرية الدقيقة.
والأهمّ هو توقيت زيارة لودريان بعد سريان هدنة وقف إطلاق النار والحديث عن إتمام انتخاب رئيس الجمهورية خلال هذه المهلة. وأمام هذه المعطيات، تحرّك الفرنسي يبحث عن إنجاز جديد لإعادة دوره الفاعل في لبنان وفي الشرق الأوسط.
توزّع نشاط لودريان بين لقاءات رسمية وأخرى مع القوى السياسية، وركّز خلال زيارته رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على عرض التطوّرات بعد إقرار هدنة الـ 60 يوماً وانتخاب رئيس.
الجامع المشترك في لقاءات السراي وعين التينة والكتل والنواب الذين التقاهم أو اتصل بهم عبر الهاتف، تأكيد لودريان على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية ضمن مهلة الهدنة وفي أسرع وقت وعدم تفويت الفرصة، وتشكيل حكومة إصلاحية وملء الشغور في المراكز الإدارية الفارغة والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة.
وما يثير العجب هو المدى الذي وصله الضعف الفرنسي، ففي وقت ظنّ الجميع أنّ لودريان يأتي ويحمل بشائر حلول وخريطة طريق، تكشف معلومات «نداء الوطن» أن لودريان طلب من الكتل الوسطية والمعتدلة المساعدة والضغط على طرفي النزاع للوصول إلى تسوية رئاسية تتيح انتخاب رئيس، فبدل أن تطلب كتل الوسط مساعدة الموفد الفرنسي طلب الأخير هذا الأمر.
لم تحقق زيارة لودريان أي خرق يذكر، الجلسة التي حدّدها برّي أتت نتيجة الاتفاق مع الأميركي، ولم يحمل المبعوث الفرنسي كلمة سرّ معيّنة، فهو تواصل مع واشنطن والرياض لكنه لم يحصل منهما على تفويض، والأهم أنّ كل تنازلات إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون لطهران لم تنتج عنها تنازلات رئاسية.
لودريان المتخبّط بين دور من يوجّه النصح من جهة ويسأل من جهة أخرى، لم يطرح أسماء، ولم يقل إنه يحمل في جيبه مفتاح الباب الرئاسي المقفل والموجود في طهران.
في حال صدق الكلام عن وجود ضغط دولي لانتخاب رئيس، فلا يحتاج هذا الأمر إلى زيارة موفدين أو دبلوماسيين، والدليل على عجز الفرنسيين عن اجتراح الحلول وحدهم، لجوء لودريان إلى اللجنة «الخماسية» من أجل التحرّك من جديد، والدفع قدماً في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي يبقى الأساس هو معرفة الموقف الأميركي والعربي والدولي لأن التجارب أثبتت أن الفرنسي عاجز عن فعل شيء في لبنان إذا لم يحظَ ببركة أميركية.