Site icon IMLebanon

“الحزب” يلتزم عدم الالتزام

كتبت ماريان زوين في “نداء الوطن”: 

شكله اتغيّر”… هذا ما قاله أحدهم عندما شاهد الأمين العام لـ “حزب الله” الجديد نعيم قاسم في خطابه ما قبل الأخير الذي أعلن فيه أن “الحزب” سيكون في المرحلة المستقبليّة تحت سقف “الطائف”، لكن أيّ “طائف”؟ وهل يكفي أن يقول “التزمت” لنصدّق أن الحزب تغيّر؟ كيف نصدّق من أتقن فن الالتزام… بعدم الالتزام. يتعهّد بشيء أمام الإعلام، ثم يُخرج من أنفاقه أجندة أخرى تماماً، يكتبها بحبر مصالحه ومصلحة إيران… هو أشبه بطالب مشاغب في المدرسة، يقول للمعلم “أنا فاهم”، ثم يتسلل ليعبث كما يشاء مطمئناً أن أحداً لن يحاسبه، كونه “الأقوى”!

تعود القصة إلى 1989، عندما أُقرّ  الاتفاق الذي أنهى الحرب اللبنانية، والذي نصّ على تسليم كل الميليشيات أسلحتها. قَبِل “الحزب” بالطائف، لكن اعتبر نفسه “الاستثناء الكبير”، في وجه “الشيطان الأكبر”؛ كيف لا؟ وهو وحده من لديه “مهمة مقدسة”: مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. (مقاومة احتكرها بالعنف وسرقها من مقاومين سابقين)، حسناً، خرجت إسرائيل من لبنان عام 2000، وبدلاً من أن يرفع “الحزب” شعار “مهمتي انتهت”، خلق أعذار تحرير مزارع شبعا التي يمكن تحريرها أصلاً بعد اعتراف حليفته سوريا رسمياً أمام الأمم المتحدة بلبنانية المزارع لكي يخرج الإسرائيلي منها كما خرج من باقي الأراضي اللبنانية عام 2000 وفق القرار الدولي 425…

في 2006، تعهّد “الحزب” حول طاولة الحوار، بأن يمرر موسم الصيف بسلام. لكن لم تمضِ أشهر حتى خطف جنديين إسرائيليين، ليشعل حرب تموز. وبعد الحرب، أعلن التزامه القرار 1701 الذي نصّ على انتشار الجيش في الجنوب. لكنّ مقاتليه بقوا في مواقعهم، (ولو كانوا تحت الأرض)، لأن الجيش، كما يبدو في عيونهم، لا يصلح إلّا للعروض العسكريّة في المناسبات؛ ويكرّرون: “هوّي مش قادر”… وكأنّ التجربة الأخيرة أثبتت أنّ “الحزب” قادر… هنا يجيبون: “طيّب ينتشر الجيش مين مانعه؟”.

يسأل “الحزب” الذي يملك مفتاح القرار السياسي في كل الحكومات المتعاقبة منذ 2008 وحتى اليوم، كما يملك مفتاح الميدان بفضل ميليشياته: “مين مانع الجيش ينتشر؟!”

لم يفسح “حزب اللّه” ومعه حلفاؤه  المجال أمام الجيش ليقوم بدوره كاملاً. وإذا كانوا فعلاً “يحبون الجيش” كما يقولون في خطاباتهم، فلماذا لم يسلموا له السلاح منذ عام 2006؟ أليس هذا أفضل من أن تسقط تلك المواقع والأسلحة في قبضة إسرائيل اليوم؟

كان السلاح “مقدساً”، لكن ليس ضد إسرائيل فقط، بل ضد كل من يحلو له معارضة “حزب اللّه”، مع أنّه لطالما تعهّد بألّا يوجّه سلاحه إلى الداخل، لكنّه فعل. و حوادث 7 أيّار 2008 مثلٌ واحد بين العشرات…

جاءت الملهاة الكبرى مع إعلان بعبدا عام 2012. تعهّد “الحزب” فيه بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة. وبعد أقل من عام، كان يقاتل في سوريا بجانب “الصامد” و “الممانع A La Carte ” بشار الأسد.

واليوم، بعد وقف إطلاق النار الأخير، نسمع تصريحات مثل تلك التي أطلقها النائب حسن فضل اللّه من المجلس النيابي، مؤكداً أن شباب “الحزب” باقون في الجنوب للدفاع عن النفس، وأن الأسلحة تُنقل لهم عند الحاجة، رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي هلّلوا له ينصّ على ترك هذه المهمة للجيش وحده.

واعتبر قاسم في خطابه الأخير أن بعد هذا الاتفاق يحقّ لهم الحديث عن “انتصار” أكبر من “انتصار” 2006.

باختصار، لا يكتفي “حزب الله” بعدم الالتزام، بل يجعل من وعوده مسرحاً للسخرية، وتجلّى ذلك في خطاب قاسم الأخير أيضاً، عندما أشار إلى أنّ “المقاومة” مستمرّة. من الواضح أن التاريخ لا يُجبرهم على التعلم، فهل ستفعل ذلك صرامة الاتفاق الجديد؟