كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
لم تسلم مدينة صور وقرى قضائها، كما هو الحال في مختلف المناطق الجنوبية، من الحرب الإسرائيلية على لبنان. فقد نالت نصيباً كبيراً من الغارات والقصف، الذي طاول المحال التجارية والمنازل والمباني والمربعات السكنية، إضافة إلى البنى التحتية بمختلف أشكالها، من مياه وكهرباء وهاتف وسواها من الخدمات الحياتية اليومية.
بيد أن المشهد الأصعب والأكثر تأثيراً خلال هذه الحرب، ووسط كل هذا الدمار، تمثّل في عجز الأهالي عن دفن ضحاياهم في قراهم وبلداتهم التي نزحوا عنها. الأمر الذي دفع بلدية صور إلى اتخاذ خطوات موقّتة، تمثّلت بتقديم قطعة أرض بجوار ثكنة الجيش اللبناني لتحويلها إلى مقبرة جماعية. في الوقت ذاته، قامت طبابة القضاء بتوثيق أعداد الضحايا، شاملةً الأرقام والأسماء والقرى التي ينتمون إليها.
مقبرة الوديعة
بدأت العملية بدفن 18 ضحية، قبل أن يصل العدد أمس إلى نحو 209. في هذا السياق، يؤكد طبيب القضاء، الدكتور وسام غزال، لـ “نداء الوطن”، أنّ “هذه الخطوة الموقتة أُطلق عليها اسم “مقبرة الوديعة”، حيث كنا ننتظر انتهاء الحرب لإعادة نقل الجثامين إلى مدافن القرى والبلدات لدفنها كما هو متبع عادة”. ولفت إلى “أنّ بلدية صور قدمت الأرض، ونحن قمنا بالتوثيق. وقد جرى الدفن الموقت – الوديعة – في تابوت خشبي، خلافاً لما تجري عليه العادة، حيث يدفن المسلمون موتاهم في كفن أبيض مباشرة. وذلك بهدف نقلهم لاحقاً لدفنهم في جبانة كل بلدة بعد إقامة مراسم تشييع تليق بهم وبتضحياتهم”.
واستبعد غزال أن تُقام مراسم التشييع في الأيام القليلة المقبلة، نظراً لانتظار إنجاز الترتيبات كافّة من قبل الجهات المعنية. ويرجّح أن يتبلور الموعد النهائي خلال الأسبوع المقبل، مشيراً إلى أن الضحايا هم من مدينة صور وقرى قضائها، وقد جرى التوثيق وفق الأرقام والأسماء والبلدات التي ينتمون إليها.
أولويات المرحلة
بانتظار تحديد الموعد، بدت الأولوية في هذه المرحلة تتركّز على البحث عن وجود ضحايا تحت الأنقاض وركام الدمار، بعد أن كانت العمليات تُجرى تحت الغارات والقصف الإسرائيلي وضمن وقت قصير. وذلك بعد بلاغات من بعض الأهالي والأقارب عن فقدان أشخاص من ذويهم. أمّا الأولوية الثانية، فتمثّلت في تأمين الخدمات الحياتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والبنى التحتية، لتعزيز صمود العائدين إلى منازلهم وقراهم.
وكانت آلاف العائلات قد نزحت عن صور وقرى قضائها للنجاة من الموت عقب التحذيرات الإسرائيلية والإنذارات التي طالبت بإخلاء المنطقة، لا سيّما جنوب الليطاني. وفي الوقت نفسه، صبّت الغارات الإسرائيلية حممها على المنازل والمحلات والمربعات السكنية، مُحدثةً دماراً هائلاً. وتتمثل الأولوية الثالثة حاليّاً في إزالة الركام ورفع الأنقاض، إضافة إلى إعادة فتح الطرقات وتنظيفها لتسهيل حركة الناس.
خطة طارئة
من جهته، أصدر المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي الدكتور وسيم ضاهر، تعميماً إلى كافة الدوائر والمصالح في المؤسسة، تضمّن إجراءات لإطلاق خطّة طارئة لتقييم وإصلاح الأضرار التي لحقت بمرافقها ومنشآتها المائية. وتضمّن التعميم خطة إدارية تنظيمية، منها إعادة فتح الدوائر كافة في جميع المناطق وعودة العمل إلى طبيعته في كل المصالح والمرافق والمنشآت لإجراء مسح شامل وفوري للأضرار في المحطات الرئيسية والآبار وشبكات التوزيع. وأيضاً، تفعيل فرق الصيانة وتزويدها بالمعدات اللازمة لتسريع عمليات الإصلاح، وتحديد الأولويات وإمكانية الحاجة للتعاون مع متعهدين متخصصين لدعم جهود إعادة التأهيل وتسريع وتيرة العمل، وإجراء مسح للمشتركين المتضررين لتجميد رسوم الاشتراكات للوحدات السكنية والتجارية المتضررة ما لم يتم إصلاحها قبل نهاية العام.