كتب صلاح سلام في” اللواء”:
مع إقتراب موعد الجلسة الرئاسية في التاسع من كانون الثاني المقبل، تشتد حمى المناورات السياسية الداخلية، وتتكاثر الإشاعات المتناقضة، حول جدية إنعقاد الجلسة أو تأجيلها في اللحظة الأخيرة، بحجة عدم نجاح محاولات التوصل إلى إتفاق بين الكتل النيابية اللبنانية على المرشح التوافقي تارة، أو بإنتظار ترجيح الخماسية لإسم الرئيس التوافقي.
تُكابر بعض الأطراف السياسية في إنكار تأثير جهات خارجية، عربية ودولية، في مسار الإستحقاق الرئاسي، والمفاضلة بين المرشحين، على خلفية المواصفات الشخصية حيناً، أو إنطلاقاً من حسابات تخضع لمصالح العواصم المعنية أحياناً أخرى. وتعتبر تلك الأطراف أن الديناميكية الداخلية، قادرة وحدها أن تصل بالإنتخابات الرئاسية إلى النتائج المرجوة، وإيصال الرئيس العتيد إلى قصر بعبدا، بمعزل عن المؤثرات الخارجية.
ولكن إنكار بعض الأطراف اللبنانية لا يغيّر من الأمر الواقع شيئاً، مهما حاول هذا البعض أن يرفع الصوت بإسم السيادية، ويتجاهل الإنقسام السياسي السرطاني الذي يشل الحركة السياسية في البلد، ويُعطل المحاولات الحوارية بين الكتل النيابية، كلما أطلّت برأسها من ثنايا الخلافات المصلحية والشخصية بين القيادات المحلية.
ولا يجد هذا البعض غضاضة في الإستناد إلى الكلام المتسرع والشخصي للمستشار مسعد بولس، حول ضرورة تأجيل الجلسة الإنتخابية شهرين، رغم أن بولس شخصياً تراجع عن هذا الموقف لاحقاً، والدوائر الأميركية المعنية إعتبرت أن الرجل يعبّر عن وجهة نظر شخصية، لا علاقة للموقف الرسمي الأميركي بها.
لا ندري إذا كان رهان بعض اللبنانيين في محله، على عدم توافق دول الخماسية بعد على إسم المرشح السعيد الحظ، ليحمل لقب «فخامة الرئيس» في الجمهورية المنهكة، بالأزمات والإنهيارات المتوالية، ليبني على هذا الإحتمال جملة توقعات في مقدمتها، تأجيل جلسة ٩ كانون الثاني، أو على الأقل عدم تمكن مجلس النواب من إنتخاب الرئيس العتيد، في الجلسة الأولى والدورات المتتالية، كما هو مفترض.
من المحزن فعلاً، أن معظم الأطراف السياسية والحزبية، تبني مواقفها إنطلاقاً من حسابات شخصية وفئوية ضيقة، لا علاقة لها بمصالح البلد العليا، ولا بالواقع المتردي الذي يتطلب وجود سلطة قوية تتمتع بكامل الصلاحيات الدستورية، وقادرة على إخراج الوطن والدولة والشعب من دوامة العجز والفشل الراهنة، عبر إتخاذ القرارات الإصلاحية الشجاعة والصعبة، وإستعادة ثقة الداخل والخارج بقدرة الحكم الجديد.
القرى والمناطق المدمرة تبلغ نسبة مخيفة من مساحة لبنان، ومئات الألوف من العائلات بلا مأوى، رغم رجوعها إلى قراها، والأنقاض مازالت تغطي الشوارع، وتخفي تحت أحجارها جثث المئات من الشهداء والضحايا الأبرياء، ومالية الدولة أعجز من تتحمل أعباء تعويض المتضررين في بيوتهم ومصادر رزقهم، والمساعدات العربية والدولية تشترط وجود سلطة كاملة الشرعية لتتعاطى معها وفق خطط وبرامج واضحة، وبعيدة عن الفساد والتخبط الذي يُعطل خطوات الإنقاذ والإصلاح. وكل هذه الوقائع تتطلب الذهاب إلى إنتخاب رئيس الجمهورية، وعودة الإنتظام والفعالية إلى عمل المؤسسات الدستورية أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد.
الخوض في بورصة أسماء المرشحين في السباق الرئاسي يجب أن يخضع لقواعد واضحة، تراعي الكفاءة وخطط العمل من جهة، وتحافظ على دور الرئيس ــ الحكم بين الفرقاء السياسيين، مع مراعاة لأهمية أن يكون منفتحاً، وعلى علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الحزبية والنيابية، ويساعد على التطبيق الصحيح والكامل لإتفاق الطائف، وطبعاً إلى جانب الحرص على تنفيذ القرار ١٧٠١، بكل مندرجاته، وإيجاد الحلول المناسبة لسلاح حزب لله، وتجنيب لبنان المزيد من الضغوط والنكبات والتدخلات الخارجية.
طبخة الرئاسة وضعت على النار مع قرار وقف الحرب الشرسة على لبنان.
فهل ثمة من يريد إطفاء النار قبل أن تستوي الطبخة، وتعطيل مسيرة الإنقاذ قبل أن توضع على السكة الصحيحة؟