كتبت رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم يستسلم الصيدلي نادر بدر الدين الذي خسر صيدليته خلال الحزام الناري الذي استهدف محيط مستشفى النبطية الحكومي. صعب عليه، أن يفقد صيدليته، ومنزله، غير أنه قرّر نفض غبار الحرب عن حياته، ولو عبر منزل جاهز، حوّله إلى صيدلية، ووضعه قبالة صيدليته المدمّرة.
يقف بدر الدين داخل صيدليته الصغيرة المستحدثة، يصفّ الأدوية على الرفوف، فيبدو كمن يعيد ترتيب حياته من جديد. ومع كل دواء يضعه في الصيدلية، يقيم جزءاً من حياته الجديدة.
قرّر بدر الدين سريعاً نفض الغبار عن عمله، لأنه يرفض “الاستسلام” كما قال. أضاف: “أنا كطائر الفينيق الذي يأبى الموت”. وفيما تبدو عباراته أشبه بدستور حياة، تابع قائلاً: “الاستسلام يعني الموت، لذا قررت فتح الصيدلية سريعاً. لم أنتظر رفع الركام ولا حتى إعادة البناء، أعدت النبض لحياتي بسرعة”.
قد تكون النبطية هي الأكثر دماراً بين مدن مناطق الحرب الأخيرة. فقد تجاوزت نسبة الدمار فيها الـ 80 في المئة. وكيفما تجوّلت في المدينة، يرافقك الخراب والحطام. وعلى الرغم من ذلك، تظهر بعض علامات الدورة الاقتصادية، ولو بشكل بطيء. لكن عودة الحياة التجارية إلى سابق عهدها، مرهونة بالتعويضات، ويتخوّف الكثير من التّجار، كما تقول مصادرهم من “تبخّر” التعويضات إذا لم توازِ حجم الدمار”.
وهكذا لم ينتظر بدر الدين التعويضات، جُلّ ما فكّر فيه هو كيف يبدأ من جديد، ولو من الصفر. وبرأيه “يجب أن ننهض، وأن نعيد ترميم حياتنا وأعمالنا. هذا هو التحدي الأكبر”.
إنها خسارة كبيرة ألمّت ببدر الدين. خسر جنى العمر، ومع ذلك يقول :”لن أتوقف، سأمضي في تجديد أعمالي. فالصيدلية تعيد بناء المنزل، ومن الصعب أن تقف أمام ذكرياتك ولا تجدها، ولكن يجب أن نكمل”.
ما إن انتهت الحرب، حتى كان بدر الدين يطلق عجلة العمل في بناء المنزل الجاهز بسرعة فاجأت الجميع. ويقول: “الكلّ سألني لمَ السرعة؟ فأجبت: لم أرغب في العودة ورؤية الحياة في النبطية رماداً. فقررت أن أقيم الصيدلية بالمنزل الجاهز فوق الدمار”.
رفض بدر الدين أن يبتعد عن مكان صيدليته المدمّرة ليس لأنه متعلّق فيها فحسب، وهو الذي يعمل داخلها منذ 11 سنة، بل “لأنني بنيت اسمي فيها. الكل يعرف مكان الصيدلية، ناهيك بأنه يجب احترام القانون الذي يفرض أن تكون المسافة بين صيدلية وأخرى 300 متر”. يبتسم بدر الدين اليوم، وهو يرى “عمله يبصر النور”، قد يكون هذا الصيدلي، هو الأسرع في النبطية الذي اختار العودة للعمل عبر فكرة البيت الجاهز”.
لم تتضح بعد صورة الحياة داخل النبطية المنكوبة حيث لا يزال مصيرها مجهولاً، قد يكون مشروع هذا الصيدلي يتيماً. لكن ما أنجزه هو التحدي الأوضح لمواجهة الدمار باستعادة زمام العمل من جديد.