IMLebanon

لا “دويلة درزية” في جنوب سوريا

كتبت مي أبي زور في “نداء الوطن”:

جاء إعلان إسرائيل عن احتلال المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا بعد ساعات من انهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ليُثير تساؤلات في شأن هذه المنطقة وظروف نشأتها.

ومنذ لحظة انهيار نظام الأسد، اتخذت إسرائيل خطوة منفردة بانسحابها من اتفاقية فصل القوات مع سوريا عام 1974، واحتلت المنطقة العازلة بين البلدين وجبل الشيخ. وبرّرت إسرائيل سلوكها هذا، بحجة “منع تسلّل الفصائل المسلّحة إلى المنطقة، وأيضاً لحماية الإسرائيليين في هضبة الجولان”. وزعمت بأن هذا التحرّك “موَقت” إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية على طول الحدود.

يذكر أنه بعد الحرب التي شنتها مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973 لاستعادة أرض سيناء المصرية، ومع تصاعد التوترات بين سوريا وإسرائيل، جرى إبرام “اتفاقية فض الاشتباك” بين البلدَين في جنيف، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً، بهدف الفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في المنطقة. وبموجب الاتفاقية أُنشئت منطقة عازلة، فضلاً عن منطقتين متساويتين من ناحية عدد القوات والأسلحة لكل من الطرفين على جانبَي المنطقة.

وتتكون الاتفاقية من قسمَين رئيسيَّين، الأول، مرتبط بآلية فض الاشتباك، أما الثاني، فهو البروتوكول الخاص بعمل قوة مراقبة فض الاشتباك “أندوف” التابعة للأمم المتحدة في المنطقة العازلة. ويبلغ طول هذه المنطقة حوالى 80 كيلومتراً، ويتراوح عرضها ما بين 500 متر و10 كيلومترات، بمساحة تصل إلى 235 كيلومتراً مربعاً. وتمتدّ المنطقة على الخط البنفسجي (خط وقف إطلاق النار) الذي يفصل بين مرتفعات الجولان وبقية سوريا، ويحدّها من الشمال الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل، وتبعد عن حدود الأردن كيلومتراً واحداً من الجنوب.

بعد نسف إسرائيل مضمون الاتفاقية، تعالت أصوات درزية سورية مطالبة بضم منطقة السويداء إلى الجولان. فهل تكون هذه الخطوة حجر أساس في بناء “دويلة” درزية تضمن حدود إسرائيل؟

أجاب الخبير العسكري العميد نزار عبد القادر على هذا السؤال لـ “نداء الوطن”، فقال: “إن الوضع في سوريا غير مناسب لمثل هذه المشاريع، على الرغم من سيطرة قائد سوريا الجديد أحمد الشرع وتطميناته بعدم محاربة إسرائيل. وليس معلوماً بعد رأي الكثير من المكونات السورية من هذا الأمر. وبالتالي، هناك الكثير من التهديدات في الداخل السوري”. وأضاف: “تستغلّ إسرائيل هذه الظروف لتوسيع منطقة احتلالها في الجولان وضرب البنية العسكرية التي كان يملكها الجيش السوري، بينما ليس هناك في سوريا حالياً فريق يواجهها”.

واعتبر عبد القادر نسف إسرائيل اتفاقية “فك الاشتباك”، باختراقها خط “أ” إلى الخط “ب” والدخول إلى ما يقارب 14 كيلومتراً في سوريا واحتلال أعلى قمة جبل الشيخ البالغة الأهمية الاستراتيجية، يُمثل انتهاكاً للاتفاقية وللقرارات الدولية ذات الصلة.

ورأى عبد القادر أن “إسرائيل، لو كانت تسعى إلى تأمين حدودها عبر دويلة درزية، فليست هناك الآن ظروف دولية مناسبة لتغيير الحدود التي رسمتها اتفاقية “سايكس بيكو” بعد الحرب العالمية الأولى، ومن الممكن أن يتحقق هذا الأمر في نهاية القرن 21. لكن المجتمع الدولي غير جاهز حالياً لهذه الخطوة التي من شأنها أن تدفع الشرق الأوسط إلى حال من الفوضى”. وجزم بأن ما يقوم به الإسرائيلي هو بمثابة “مغامرات من أجل مصلحته”.

ولفت عبد القادر إلى أن “الدروز في سوريا تاريخياً ومن أيام سلطان باشا الأطرش، لديهم مواقف عروبية مشرّفة وتضحيات تجاه القضية العربية”. وأوضح أنه “ليس الدروز وحدهم في جنوب سوريا. ففي منطقة “جبل العرب” توجد قبائل عربية سنية شرسة، وبالتالي، لن يقوم الدروز بهكذا مخاطرة. كما أن هذا الكلام يتنافى مع تاريخ الدروز، بغض النظر عن موقف البعض المتزمّت وأصحاب المصالح الضيّقة”.

وأشار عبد القادر إلى أن اتفاقية فصل القوات “ملزمة ولا يُمكن لأي طرف خرقها ومخالفة القوانين الدولية. وقد أمّنت الاتفاقية السلام على الحدود السورية – الإسرائيلية لنصف قرن”، وخلص إلى القول “إن الإدارة الأميركية الجديدة لن تسير مع إسرائيل في تغيير خريطة الشرق في الوقت الحالي، الأمر الذي يسبّب أزمة ويدفع المنطقة إلى التطرّف وعودة الإسلام المتصلّب. إن أميركا لن تخاطر بالشرق الأوسط من أجل إعطاء إسرائيل نحو 235 كيلومتراً مربّعاً في المنطقة الحدودية بينها وبين سوريا”.