كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يسيطر الهمّ الأمني على الساحة اللبنانية بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشّار الأسد. وإذا كان ملف الجنوب والوضع الحدودي هو الأبرز، إلا أن وضع المخيمات الفلسطينية والقواعد الخارجة عن سيطرة الدولة ومنظمة التحرير الفلسطينية عامل خطر لا يتوقّع أحد متى ينفجر.
دفع الفلسطينيون ثمناً كبيراً من جراء سلوك النظام السوري البائد. ووصل الأمر بالبعض إلى القول: “إن نظام الأسد نكّل بالفلسطينيين مثلما فعلت إسرائيل وأكثر. واستعمل الأسد الأب والابن عنوان القضية الفلسطينية ليبطشا بشعبهما أولاً ومن ثم بالفلسطينيين وليحتلّا لبنان. وكان عنواناً مهماً للتجارة السياسية التي أتقنها النظام السوري على مدى أكثر من 50 عاماً”.
إن فرحة الفلسطينيين بسقوط النظام السوري توازي فرحة السوريين واللبنانيين، ولا ينسى أحد كيف استخدم هذا النظام المخيمات بعد الحرب وخصوصاً مخيم عين الحلوة لتوجيه رسائل داخلية وخارجية، وأيضاً للضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة “فتح” التي ذاقت الأمرّين من سلوكه وبطشه.
وإذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة “فتح” نجحتا في المرحلة السابقة في ضبط المخيمات، إلا أن مخيم عين الحلوة يبقى الجرح النازف نتيجة دخول جماعات متطرفة إليه وسيطرتها على أجزاء منه، ووضع خطوط حمراء أمام حركة “فتح” منعتها من حسم الوضع على الأرض.
وقد نمت الحركات المتطرفة في المخيمات بدعم سوري ورعاية من “حزب الله” الذي وضع أمينه العام الراحل حسن نصرالله خطاً أحمر في ربيع 2007 في وجه دخول الجيش إلى مخيم نهر البارد للقضاء على “فتح الإسلام”.
وإذا كان الحدث السوري يطغى على مجمل التطورات، إلا أن المعلومات الأمنية تؤكد مغادرة متطرفين ينتمون إلى “تجمع الشباب المسلم” الذي يضم بقايا “فتح الإسلام” و”جند الشام” وحركات إسلامية أخرى مخيم عين الحلوة.
وفي التفاصيل، فقد غادر هؤلاء الشباب المخيم وتوجهوا إلى طرابلس، ومنها إلى الحدود اللبنانية – السورية، وبعدها إلى الداخل السوري، حيث تم رصدهم في أحد فنادق دمشق، وكان هؤلاء خاضوا خلال المواجهات الأخيرة مع حركة “فتح” أشرس المعارك معرضين أمن المخيم والجوار الصيداوي للخطر.
وهنا تطرح أسئلة بديهية هي: كيف استطاع هؤلاء الشبان مغادرة مخيم عين الحلوة وسط الإجراءات الأمنية المشدّدة التي تنفذها الدولة اللبنانية؟ ومن سهّل عبورهم وتنقلهم بين المدن اللبنانية وكيف اجتازوا الحدود وسط الحديث عن ضبطها؟ وكيف يمكن لمتطرفين ومتهمين بالإرهاب التنقل بهذه السهولة؟
إذا كانت لا توجد أجوبة واضحة، فيطرح سؤال بديهي آخر وهو: لماذا غادروا المخيم في هذا التوقيت؟ فإذا كانت المغادرة نتيجة صفقة أمنية استخباراتية لإراحة المخيم ووقف مسلسل القتال، يمكن تفهم الموضوع، مع أنه قد يكون من بينهم مقاتلون قاتلوا الجيش اللبناني أو تسبّبوا بأذى لمدنيين.
أما ما يدعو إلى التخوّف، فهو أن تكون مغادرتهم لبنان بعد سقوط النظام السوري، وذهابهم إلى سوريا وتركيا، من أجل عودتهم مجدداً بمشروع يُمهّد لتوسع النفوذ الإسلامي المتطرّف في عين الحلوة والجوار، وهذا الأمر، يثير الخوف والريبة في المخيم، خصوصاً أن عامل التفجير موجود، وهؤلاء قد يشعرون بالنشوة نتيجة ما يعتبرونه انتصاراً للخط الإسلامي، علماً أن معظمهم يعملون لدى أجهزة استخبارات ولا علاقة للإسلام بمشاريعهم.
إذا كان القيمون على مخيم عين الحلوة يتابعون هذا الملف خوفاً من عودة هؤلاء بمشروع جديد، إلا أن الثقل الأكبر يقع على عاتق الدولة اللبنانية التي يجب أن تضبط حدودها بالدرجة الأولى وتوقف من يدخل البلاد خلسةً، فكيف الحال بالنسبة إلى متطرفين ومتهمين.
وبالتالي، تقف الأجهزة الأمنية أمام اختبار جديد في حماية لبنان، لأن أي انفجار في مخيّم عين الحلوة ستصيب شظاياه الجوار وكل لبنان، وما زال مخيم البارد الشاهد الأكبر على كل هذه المآسي.