كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تراجع نسبياً الزخم الذي نتج من ترشيح اللقاء الديموقراطي قائد الجيش العماد جوزاف عون، بفعل غياب موقف مسيحي واضح من هذا الترشيح، إلى جانب أن الرأي العام المسيحي لم يتلقّف إيجابا أن ينطلق ترشيح عون إلى المركز الماروني الأول في الدولة من كتلة ذات طابع درزي غالب. لذا ظلّ الفتور المسيحي من هذا الترشيح هو الغالب، خصوصا أن أكبر حزبين مسيحيين يُعتبران، وهما كذلك، الحاضنة الرئيسة للمنصب وشاغله، وما زالا خارج التسمية المباشرة، وإن كل لاعتباراته السياسية.
١-فالتيار الوطني الحر كان واضحا في رفضه خيار عون لجملة تعليلات باتت معروفة بدءا وليس انتهاء بالتحفّظ عن الشخص وأدائه، معطيا في المقابل موافقته على لائحة مصغرة من المرشحين يمكنهم أن يكونوا محل توافق مسيحي وعام، وأن يشكلوا مساحة مشتركة من شأن الاتفاق عليها إنهاء أزمة الرئاسة، والانطلاق نحو تحقيق برنامج حافل من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية، في موازاة مقاربة إيجابية لاتفاق وقف إطلاق النار بكل مندرجاته.
٢-فيما القوات اللبنانية لا تزال غير متحمّسة لخيار عون، من دون أن ترفضه بالمطلق، لكنها لم تعلن موقفا نهائيا منه. وليس خافيا أنها في صدد العودة إلى الأصل. فرئيس القوات سمير جعجع بات على قناعة بأنه المرشّح الأكثر أهلا لشغل رئاسة الجمهورية، وأن التطورات السورية وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد خلطت كل الأوراق، بحيث أن ما كان جائزا قبل السقوط لم يعد كذلك بعده. لذا هو رفض في الأيام الأخيرة حتى النقاش في الأسماء، مكتفيا بالتلميح إلى أن الظرف المستجد يجعل الرئاسة غير ناضجة بعد، وأن لا بد من إرجاء الحسم في جلسة ٩ كانون الثاني، بحيث في أحسن الأحوال تنعقد الجلسة من دون أن تنتخِب. كما هو كثّف تواصله غير المعلن مع عدد من الجهات الوازنة، وخصوصا مع حزب مسيحي رئيسي عارضا تأييد ترشحه للرئاسة على قاعدة ورقة سياسية مكتوبة تكون بمثابة التزامات للعهد المقبل تنظم العلاقة بينه وبين هذا الحزب، وتشكل خريطة طريق لآلية الحكم وسبله.
٣-أما الثنائي الشيعي الذي سيخوض حتما الاستحقاق الرئاسي بموقف واحد ومن دون تكرار الافتراق الذي طبع استحقاق سنة ٢٠١٦، فلا يزال يقيم على تحفّظ عن خيار عون، وهو أقرب إلى الرفض، لجملة معطيات تكوّنت تحديدا لدى حزب لله، في مقدمها ما هو مرتبط بالطريقة التي يتم فيها تنفيذ وقف إطلاق النار والقرار ١٧٠١ والموقف من الضغط الأميركي- الإسرائيلي على لبنان.
٤-تبقى الكتلة السنية في حال من الانتظار، وإن لا تزال تنتظر بشائر الموقف السعودي من مجمل ما هو مطروح رئاسيا، ومن ضمنه اسم قائد الجيش. وليس مستبعدا أن تسير هذه الكتلة في ركاب موقف النائب السابق وليد جنبلاط.
في الموازاة، تقدمت العقبات القانونية التي قد تؤثر على ترشيح عون. إذ ثمة صعوبة في إحداث التعديل الدستوري المطلوب الذي يتيح انتخاب عون باعتباره موظف فئة أولى لا يسمح له الدستور بالترشح إلا وفق شروط يستحيل تنفيدها راهنا وفق هذا الوقت الضيّق. إذ إن المادّة 49 من الدستور تنص في فقرتها الثالثة على أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ احالتهم على التقاعد. إلى جانب أن تجربة انتخاب الرئيس ميشال سليمان من الصعب أن تتكرر راهنا، إذ ثمة اتجاه لدى أكثر من كتلة نيابية للطعن بانتخاب عون أمام المجلس الدستوري في حال حصل هذا الانتخاب من دون أن يتم تعديل الدستور. ولم تساعد تزكية أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع خيار عون لجملة أسباب منها ما تحفل به الذاكرة من تدخل سوري في الشأن اللبناني، إلى جانب ما ارتكبت جبهة النصرة التي قادها الجولاني قبل أن تتحوّل إلى جبهة فتح الشام ومن ثم جبهة لتحريرها، في حق الجيش اللبناني من قتل وتنكيل.