Site icon IMLebanon

إنطلاقة الشرع: جمع داخلي وطمأنة خارجية ورسالة للبنان

كتب منير الربيع في “المدن”:

زحمة سياسية، دولية وديبلوماسية تشهدها سوريا. وفود أجنبية تتقاطر إلى دمشق، كما أن قنوات التواصل مع دول عربية مختلفة قد فتحت. لكن الزيارة الأبرز كانت للوفد الأميركي الموسع برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف واللقاء بقائد المرحلة السياسية الجديدة أحمد الشرع. جاء سقوط نظام بشار الأسد والانفتاح الأميركي على دمشق بالتزامن مع ذكرى انتهاء مفاعيل قانون قيصر، إذ أن القانون انتهى في العشرين من كانون الأول 2024 لأنه محدد بمهلة خمس سنوات. لم تكن هناك فرصة للمجموعات السورية الضاغطة في الولايات المتحدة الأميركية للتحرك في سبيل عدم تجديده لخمس سنوات جديدة، لكن ما صدر عن الكونغرس الأميركي من إحاطة جديدة حول الوضع السوري لم يتضمن أي إشارة إلى قانون قيصر، لا تمديداً ولا إلغاء، بينما تفعلت حركة السوريين في واشنطن لإلغائه كلياً، بالإضافة إلى التحرك في سبيل رفع العقوبات عن سوريا.

شكل المرحلة الإنتقالية
تشكل الزيارة الأميركية إلى دمشق فتح مسار جديد في العلاقات، لا سيما أن النقاشات تركزت على مختلف الملفات، من المرحلة الانتقالية وكيفية التأسيس لها، وبناء تصور لسوريا المستقبل. وقد تم البحث في ملفات مختلفة أبرزها مطالبة الشرع للوفد الأميركي برفع العقوبات عن سوريا ككل، على الرغم من أنه قد كسب مسألة إلغاء المبلغ المخصص لمن يدلي بمعلومات حوله، كما أن المسار المقبل يفتح الباب على احتمالات إزالة إسم هيئة تحرير الشام عن لائحة العقوبات، وذلك سيكون مرتبطاً بحسب الأميركيين بسياقات متعددة، أبرزها شكل المرحلة الانتقالية، وعدم اختزال المشهد السياسي بالهيئة، أو بطرف أوحد، مع الإصرار والتركيز على ضرورة إشراك مختلف مكونات الشعب السوري.

الحراك المدني
جاءت زيارة الوفد الأميركي على وقع ازدهار واضح للحراك المدني السوري والذي تتحرك مجموعاته باتجاهات مختلفة وقد عقدت لقاءات مع الأميركيين تحضيراً لمشاريع كثيرة بينها تنظيم ملفات المعتقلين والبحث عن المفقودين والمخفيين قسراً، والعمل في سبيل تنظيم توزيع المساعدات بمجالات مختلفة. أيضاً تزامنت الزيارة مع تظاهرات للمطالبة بالدولة المدنية والعلمانية، وقد نتجت عن هذه التظاهرات سجالات كثيرة حول الجهات التي تقف خلفها، بين من اعتبر أن وراءها يقف مؤيدون لنظام الأسد، ومن أشار إلى أن بعض المؤيدين للأسد كانوا موجودين ولكن التحركات والمطالبات تشمل شرائح أوسع بما فيها شخصيات سياسية ومدنية معارضة للنظام وهي تحاول أن تطرح رؤيتها وترفع صوتها. ولا بد، في السياق، من تسجيل ملاحظة أساسية للإدارة الجديدة التي عملت على توفير الأمن للتظاهرة والتحركات الاحتجاجية. أما الأهم هو المسارعة إلى استيعاب هذه التحركات والتعاطي معها بإيجابية، والأخذ بالكثير من الملاحظات.

المرونة السياسية
تبدو هذه المرونة السياسية أكثر من ضرورية في هذه المرحلة، لا سيما أن قائد هيئة تحرير الشام على إدراك كامل لما يحيط من مخاطر بسوريا، لا سيما أن المحسوبين على نظام الأسد يتربصون للقيام بتحركات مضادة، أو يحاولون استغلال أي خطأ في الممارسة للبناء عليه في محاولة لتوجيه ضربات سياسية، إعلامية، معنوية، تضعف وضعية المرحلة السياسية الجديدة. كما أن هناك جهات إقليمية كثيرة متضررة مما جرى وقد تجد في أي تحرك مدني سياسي، أو عسكري فرصة لإعادة التدخل، وقد تراهن هذه الجهات على افتعال إشكالات طائفية، مذهبية، عرقية، قومية، أو إشكالات ما بين فصائل المعارضة المتعددة والمتنوعة لاجل اختراق الوضعية السياسية الجديدة والعودة إلى تثبيت الحضور من خلال هذه الصراعات والبناء عليها.

مخاطبة الخارج من الداخل
تضع الإدارة السورية الجديدة برنامجاً واضحاً للخارج والداخل. حتى الآن يسجّل الشرع تقدماً في مخاطبته للخارج ولا سيما للمجتمع الدولي، كما أن الإحاطة السياسية لديه بأوضاع إقليمية ودولية كافية ليكون مواكباً لكل التطورات والتحولات. بينما تبقى التحديات الداخلية أساسية، وهو ما بدأ العمل عليه وفق ما تقول مصادر متابعة، إذ يفترض في الأيام المقبلة أن يتم توجيه الدعوة لعقد لقاءات حوارية شبابية مع فئات مختلفة من المجتمع السوري. بالإضافة إلى التحضير لحوار سوري وطني يحضره ممثلون عن كل الطوائف والمكونات تحضيراً للمرحلة الانتقالية، ووضع معالم الدستور الجديد والنظام السياسي.

داخلياً أيضاً لا يزال الملف الكردي هو التحدي الأبرز وسط استمرار التفاوض مع قسد وإحراز بعض التقدم في المفاوضات لا سيما مع دعوات دولية واضحة لإخلاء المسلحين الأجانب من شمال شرق سوريا، واستعداد قسد للانخراط في المشروع السوري وفي بنية الجيش الوطني الذي سيتم العمل على تشكيله.

سياسياً، تفيد المصادر المتابعة إلى أنه خلال فترة ثلاثة أشهر سيتم تشكيل حكومة جديدة تكون تشاركية بين مختلف المكونات.

لبنان وإسرائيل
تجاه لبنان، هناك إبداء للاستعداد الكامل للتعاون مع لبنان في ترسيم الحدود ومعالجة كل المشكلات العالقة حول ضبط الحدود، والتعامل مع الحكومة ومن منطق دولة إلى دولة، ووقف التهريب، أو التخريب من قبل أي جهة سورية في لبنان، أو من قبل أي جهة لبنانية في سوريا. وفي هذا السياق تؤكد المعلومات أن قنوات التواصل الرسمية قد فتحت بين البلدين والحكومتين.

أما بما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية، فإن التركيز حالياً هو على تفعيل التحركات الاحتجاجية الشعبية من خلال انتفاضة مدنية في الجنوب لمطالبة الاحتلال بالانسحاب، بالإضافة إلى بناء خطاب متكامل للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للانسحاب، طالما أن الخطاب السياسي كان واضحاً في رفض أن تكون سوريا منخرطة بأي حروب إقليمية أو تشكل تهديداً لدول الجوار، وبذلك يكون العنوان السياسي للمرحلة المقبلة واضحاً في رسالته الموجهة إلى الخارج، الذي عليه أن يتجاوب ويكف الشر الإسرائيلي ويوقف التوغل والاعتداءات ويفرض عليهم الانسحاب. في هذا السياق تقول مصادر متابعة إن الإجابات الدولية التي ترد إلى سوريا حول هذه المطالب تتضمن تشديداً على ضرورة ضبط الأمن الحدودي بشكل كامل ومتى ما استقر الأمر فإن الانسحاب الإسرائيلي سيحصل. لا يزال هناك تشكيك بهذا الكلام وبنوايا الإسرائيليين، والذين يريدون الاستثمار بفرض الوقائع العسكرية الحالية لتغيير الكثير من الوقائع السياسية.