تقرير ماريا خيامي:
وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، برزت شكاوى متعددة حول استغلال بعض التجار واحتكارهم لأسواق الزجاج والخشب والألمنيوم، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، خصوصاً في ظل ارتفاع الطلب على مواد الإعمار عقب اتفاق وقف النار، الأمر الذي جعل العديد من المواطنين يعانون من صعوبة في الحصول على هذه المواد بأسعار معقولة، مما يزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية في مختلف المناطق.
وأكد مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر أن الوزارة تستقبل شكاوى عديدة، خصوصاً فيما يتعلق بأسعار الزجاج، الذي يُعد مادة غير قابلة للاصلاح، وأوضح أن ارتفاع الأسعار يشمل كافة مواد الإعمار، ما يثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلاً من تدهور الوضع الاقتصادي.
إشارة إلى أن هذه الزيادة لم تقتصر على الزجاج فقط، بل طالت الخشب والألمنيوم، مما جعل العديد من مشاريع البناء والترميم تتوقف أو تتأجل بسبب ارتفاع تكلفة المواد.
كما أشار أبو حيدر إلى أن “ثلاثة مستوردين فقط يسيطرون على 90% من سوق الزجاج، بينما يتوزع باقي السوق بين تجار الجملة ومتعهدي الورش. هذه الهيمنة على السوق من قبل قلة من التجار تساهم في رفع الأسعار بشكل غير مبرر، في وقت يعاني فيه المواطنون من ضعف القوة الشرائية وارتفاع التضخم.”
في خطوة فورية لمواجهة هذا التلاعب، أوضح أبو حيدر أنه تم تسطير محاضر بحق المخالفين وإحالتها إلى القضاء، كما أرسلت الوزارة كتاباً إلى النائب العام التمييزي لاتخاذ أقصى العقوبات بحق التجار الذين يحققون أرباحاً على حساب المواطنين المتضررين.
كما شدد على أهمية تطبيق قانون حماية المستهلك بشكل صارم، خصوصاً في هذه الفترة العصيبة، لضمان حقوق المواطنين ومنع استغلال الأزمات لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وحول مسألة غياب مصانع محلية لإنتاج الزجاج، دعا أبو حيدر وزارة الصناعة إلى حماية الإنتاج الوطني وتحفيز الصناعيين للاستثمار في هذا المجال، مشيرا إلى أن هناك برامج مانحة سبق أن أُطلقت لدعم هذا القطاع، ولكنها لم تلق استجابة كافية من المستثمرين.
وأضاف: “لبنان عاش لسنوات على قاعدة شرايتو ولا تربايتو، ولكن الآن آن الأوان للتفكير بحاجاتنا الداخلية”، مؤكدا أن دعم الإنتاج المحلي يجب أن يكون أولوية خلال هذه الفترة لتقليل الاعتماد على الاستيراد الذي يؤدي إلى تضخم الأسعار.
في ما يخص ضبط الأسعار، أثنى أبو حيدر على قرار وزير الداخلية بسام مولوي الذي أصدر تعليمات لرؤساء البلديات لمتابعة متعهدي الورش، خصوصاً في المناطق الريفية، وأكد أن البلديات تتحمل مسؤولية تطبيق قانون حماية المستهلك بالتنسيق مع الوزارة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تساهم في متابعة الأسعار بشكل دوري وتمنع حدوث أي تلاعب.
وأردف: “الوزارة طالبت بتعديلات على قانون حماية المستهلك لرفع قيمة الغرامات وتشديد العقوبات، بما في ذلك إغلاق المحال المخالفة والتشهير بأصحابها، بهدف منع التجار من استغلال الأزمات لتحقيق أرباح غير مشروعة”، وأوضح أن تطبيق هذه التعديلات سيلعب دورا كبيرا في تعزيز العدالة في السوق.
ولتسهيل عملية الإبلاغ عن المخالفات، كشف أبو حيدر عن وجود تطبيق إلكتروني خاص لتقديم الشكاوى، داعياً المواطنين إلى الاستفادة منه، وأضاف: “المطلوب أن تكون العقوبات رادعة بما يكفي ليدرس التاجر عواقب أفعاله قبل استغلال أي أزمة”، في حين أن هذا التطبيق يعكس تحولاً نحو الرقمنة في تقديم الخدمات الحكومية، مما يسهم في تسريع الإجراءات وتخفيف العبء عن المواطنين.
في ظل الظروف الراهنة، تتطلب الأزمة المتعلقة بأسعار الزجاج والخشب والألمنيوم إجراءات صارمة لحماية المواطنين ودعم قطاع الإعمار، الذي يعد من القطاعات الحيوية للاقتصاد اللبناني، وبينما تعمل الوزارة على تطبيق العقوبات ومراقبة السوق، يبقى الحل الجذري في تعزيز الإنتاج الوطني وتشجيع الاستثمار المحلي، إلى جانب وضع سياسات تضمن الشفافية والعدالة في السوق.
على أمل أن تسهم هذه الخطوات في إعادة التوازن إلى السوق اللبناني، وتحقيق استقرار نسبي للأسعار، مما يساهم في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.