IMLebanon

جنبلاط: مزارع شبعا سورية

كتب أحمد عياش في “نداء الوطن”:

أتت زيارة سيد المختارة وليد جنبلاط أمس إلى دمشق لترفع الستارة عن نمط جديد من القيادة السورية. وأدلى رئيس الإدارة الجديدة لسوريا أحمد الشرع بمواقف من العلاقات بين لبنان وسوريا على أساس السيادة والاستقلال لكل من البلدين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وأعلن أن “سوريا ستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني”.

وفوجئ الوفد الموسع برغبة الشرع بمخاطبة اللبنانيين عبر حشد من وسائل الإعلام اللبنانية متخطياً كما علمت “نداء الوطن” كل الحواجز التي تفرضها الضرورات الأمنية التي تحيط بالمسؤول السوري. وهكذا اندفع الإعلاميون ليحاوروا  الشرع في كل المواضيع التي كانت محاطة بالكتمان  ومنها ما يتعلق بملكية مزارع شبعا ومستقبل العلاقات بين القيادة السورية الجديدة وبين الشيعة سواء في لبنان أو في سوريا وصولاً إلى مصير الاتفاقات والمعاهدات التي تم إبرامها بين سوريا ولبنان في ظل النظام السابق.

أدلى الشرع بما أدلى به، في إطار بدا من خلاله أنه غير ميّال لعلاقات يجري تدبيرها تحت الطاولة. وذهب إلى المدى الذي كان مسكوتاً عنه في زمن النفوذ السوري والإيراني عندما أعلن الشرع “أن سوريا كانت مصدر قلق وإزعاج وكان تدخلها في الشأن اللبناني سلبياً .كما أن النظام السابق عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين. والعمل الذي قمنا به كان عملاً سَلِساً بأقل الخسائر ودخلنا إلى حواضر المدن الكبرى ولم تهدم فيها قطعة واحدة”. ومضى إلى القول: “إن نظام الأسد المخلوع اغتال كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورفيق الحريري”.

وأتت مواقف قائد سوريا الجديد لملاقاة كلمة وليد جنبلاط الذي خاطب الشرع قائلا: “من جبل لبنان من جبل كمال جنبلاط نحيي هذا الشعب الذي تخلّص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية – السورية من خلال السفارات وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ”.

ماذا عن العناوين الأخرى التي تصدرت الزيارة؟ ردّ فعل الشرع حول موضوع مزارع شبعا التي أخذت لبنان إلى حروب ومواجهات على يد “حزب الله” أن الأمر سيعود إلى المؤسسات الجاري تكوينها. وفي المقابل، يرى جنبلاط أن الموضوع يتصل بقرار مجلس الأمن 242 الذي صدر بعد حرب عام 1967 والذي قال إن المزارع التي احتلتها إسرائيل هي سورية. ودعا جنبلاط إلى الشروع في ترسيم الحدود بين البلدين لإظهار حقوق كل منهما في المناطق الحدودية.

أما في ما يتعلق بالموضوع الشيعي، فقال الشرع إن سوريا تتطلع إلى لبنان خارج الأطر المذهبية على قاعدة عدم السماح بالتدخل بالشؤون الداخلية في سوريا.

أضاف “بالنسبة إلى شيعة لبنان المعارضين أو المؤيدين نحن نتكلم بمنطق الدولة بعيداً من التصنيفات السياسية وهناك صفحة جديدة مع مكونات الشعب اللبناني كافة”.

وبالنسبة إلى الاتفاقات والمعاهدات الثنائية، فقد وعد جنبلاط بالتقدم “بمذكرة” حولها تتضمن أيضا عناوين أخرى.

وأعلن الشرع أنه سيرسل وفداً حكومياً إلى مدينة السويداء. وأضاف “سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا”.

ولفت إلى أن “المجتمع الدولي عجز عن حل المشكلة السورية خلال 14 عاماً ونحن أخذنا طريقاً مختلفا ليقيننا بأن الشعوب لا تستطيع أن تأخذ حقّها إلا بيدها وسوريا لن تكون كما كانت في السابق”.

وقال جنبلاط بعد اللقاء: “إنني قادم إلى سوريا كلها وليس فقط إلى السويداء. كان اللقاء ممتازاً، وفَتَحنا صفحة جديدة بين الشعبين”.

وعلق النائب مروان حمادة عبر “نداء الوطن” قائلاً: “خطاب الشرع تأسيسي ويبنى عليه”.

كما أبدى النائب اكرم شهيّب دهشته من التغيير الذي طرأ على سوريا والتي يشاهدها للمرة الأولى منذ 24 عاماً، أي طوال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد.

لدى الوصول إلى نقطة جديدة يابوس يطل مشهد صاعق حيث تبدو صورة بشار الأسد العملاقة ممزقة وإلى جانبها صورة والده حافظ الأسد التي بقي منها بعض ملامحه. وفي المقابل، لم تكن لقيادة سوريا الجديدة أية صور وإنما علم الدولة الجديد.

وفي إشارة إلى أزمة المحروقات، ظهر عدد من الباعة على طول الطريق وقد عرضوا غالونات البنزين.

ويتحدث الذين كانوا يزورون سوريا قبل سقوط الأسد أن الحواجز الأمنية التي تنتصب مراراً على امتداد الطرق بين حدود لبنان ودمشق، اختفت تقريباً بأغلبيتها السابقة.

ما بدا واضحاً للعيان أن عناصر القيادة الجديدة هم في معظمهم من الجيل الشاب. وندر أن يطالعك شخص مسنّ من الحكام الجدد.

ويدخل الوفد إلى قصر الشعب. وبقي البناء بشكله المعروف قبل عقود. ومن باب الفضول، نسأل أحد موظفي القصر وهو شاب وَفَد حديثاً إلى الوظيفة إذ كان يَعرف من الذي بنى القصر فيسارع إلى القول إنه رفيق الحريري ليسترسل بعد ذلك في الحديث عن جريمة قتل باني القصر على يد جماعة النظام السابق.

ما لا يمكن اخفاؤه، غياب الخدمات الأساسية في القصر التي كان يوفرها نحو ألف موظف في زمن بشار الأسد. تقلص العدد بشكل هائل ما عكس أن أولويات القيادة الجديدة هي في مكان آخر وليس القصور.

كيف بدا أمس “قصر الشعب” كما كان يسمونه في زمن الأسد؟ يجيب موظف بارز في البروتوكول على هذا السؤال معطوفاً على ماأحدثته زيارة الوفد اللبناني، قال: “لقد أذهلني إصرار الإعلام اللبناني على حرية عمله والفوز بما يتلاءم مع عمله”. وعكس الجواب إشارة مضمرة إلى أن حكام دمشق الجدد اعتادوا على العمل السياسي بعيداً عن الضوضاء حتى جاء الاختبار الأول لسلوك آخر من لبنان.

كان المشهد لافتاً في داخل القاعة الرئيسية التي جرى فيها استقبال الوفد اللبناني. فبعد الطلب إلى وسائل الإعلام الوقوف على مسافة بضعة أمتار لتغطية الكلمات، تقلصت المسافة تدريجياً. ومن خمسة أمتار تقريبا إلى أربعة إلى أن باتت المسافة أقل من متر. ولم يتردد الشرع في الاندماج مع الإعلاميين يحاورهم ويرد على أسئلتهم أياً كانت وكأنه يقول في نفسه: “أهلا بلبنان”. وهل هناك بلد في المنطقة يمارس الإعلام فيه حرياته كما الحال في لبنان؟

إلى الحدث الجنبلاطي في دمشق، شهدت العاصمة السورية سلسلة من التطورات التي أكدت مرة جديدة أن سوريا تلقى المزيد من الاهتمام بعد سقوط نظام الأسد. فالزعيم الجديد الجولاني استقبل وزير الخارجية التركي حقان فيدان، كما التقى وفداً سعودياً بعيداً من الأضواء. وكان لافتاً ايضاً الكشف عن زيارة قام بها الجولاني لنائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع، في منزله في دمشق، ووجه إليه دعوة لحضور المؤتمر الوطني الذي سيدعو إليه.