كتبت جومانا زغيب في “نداء الوطن”:
في المنطق الجيوساسي المبسّط، وعلى سبيل المثال، يمكن تصوّر سلسلة تضمّ مجموعات عدة من الحلقات وتضمّ كل مجموعة ثلاث حلقات، حتى إذا ما تم انتزاع أولى الحلقات الثلاث وآخرها في مجموعة معيّنة، تبقى حلقة متوسطة تصبح معزولة ويستحيل عليها التواصل مع باقي السلسلة.
هذه هي الصورة التي رسا عليها مثلّث “حماس” و”حزب الله” والنظام الأسدي. حركة “حماس” باتت عمليّاً من الماضي ولو استمرت شكلاً مجرّدة من أي سلطة أو دور سياسي مهم، فيما نظام الأسد سقط سقوطاً مريعاً ومضى إلى غير رجعة. أمّا “حزب الله” الذي يحتلّ موقعاً متوسّطاً بين “حماس” غزة ونظام بشار البائد، فيمثّل حاليّاً الحلقة الضعيفة، ولا يمكنه الرهان على الانبعاث من جديد ليلعب دور الاستقواء في الداخل ودور افتعال الحروب مع إسرائيل، أو دور الدعم لنظام ما خارج الحدود.
المنطق يقول إن “الحزب” بات عبئاً على إيران بقدر ما هو حاجة لها، ولم يعد ضرورة للبنان بحسب قاموسه البائس بداعي أنه “مقاومة” تحمي وتدافع عن السيادة اللبنانية، لأن الوقائع تثبت العكس، ومع ذلك ما زال يكابر ويناور، وقد بدأ يطرح عنوان الحوار والعودة إلى الاستراتيجية الدفاعية، علماً أن “الحزب” نفسه أطاح نتائج الحوارات المتعاقبة وأبرزها حوار الدوحة وإعلان بعبدا، بل إن مختلف الفرقاء قدّموا مشاريعهم للاستراتيجية الدفاعية في حوار بعبدا العام 2012 ما عدا “حزب الله”، ليتملّص لاحقاً من إعلان بعبدا والنأي بالنفس بعد الموافقة الصريحة عليهما.
الأخطر هو إصراره على الاحتفاظ بسلاحه شمال الليطاني، وعلى المخازن والأنفاق السرية جنوب الليطاني، بدلاً من إبلاغ الجيش بأماكنها والتعاون لإزالتها. هذا يعني أنّ عودة إسرائيل إلى التصعيد الواسع واردة في أيّ لحظة، باعتبار أن إحجام “حزب الله” عن الرد على الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، لا يعني خسارة قدرته على إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل وفي سمائها، وإن بوتيرة أقل.
من الواضح أن إسرائيل تحمّل الحكومة اللبنانية تبعات تملّص “حزب الله” من تسليم سلاحه في مختلف أنحاء لبنان، واستمراره في تنظيم وترتيب معسكرات سريّة بداعي الاستعداد الدائم لمقاومة إسرائيل. هذا يعني أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة ضاغطة على الحكومة تحديداً، وعلى الرئيس العتيد بخاصة.
ولعلّ التصعيد الإسرائيلي في وجه الحوثيين في اليمن، يشكّل علامة معبّرة، والاتجاه هو إلى بلورتها بالسعي إلى تحجيم كبير للحوثيين والقضاء على قدراتهم العسكرية الاستراتيجية. والحال هذه، ما هي حجة “حزب الله” للاحتفاظ بسلاحه شمال الليطاني، مع تعطل مبررات المقاومة عبر ابتعادها عن الحدود؟
إن تسليم “الحزب” سلاحه للدولة كما يقول قيادي كبير في المعارضة هو الخيار الأسلم لـ”حزب الله” وللجميع، وإلا العودة إلى الحرب الواسعة والمزيد من الخسائر للوطن والهزائم للمحور. أمّا الإصرار على السلاح كأداة استقواء وهيمنة على الرغم من كل شيء، فهو أمر سيدفع إلى استعجال تغيير التركيبة الحالية للنظام في لبنان، بما يحمي شرائح واسعة من اللبنانيين من تداعيات الحرب وويلاتها. وهذا الخيار ليس للمزايدة أو للاستهلاك، بل يعكس إرادة صريحة مع ما تحتاجه من دراسات بهدف الحفاظ على ما تبقى من مساحة حرية في لبنان.
وللدلالة على المخاوف من عودة وتيرة الحرب، فقد أوقفت شركة طيران أوروبية مهمّة رحلاتها من وإلى لبنان، بل إنها أعادت الأموال لمن حجزوا تمهيداً للسفر، فيما شركات أخرى تُعيد تقييم الموقف. أمّا على خط آخر، فقد وصلت إلى لبنان وتحديداً إلى رموز سياسية تحذيرات من عودة الاغتيالات، وتالياً عدم الركون إلى التغييرات الحاصلة كدليل على انحسار المخاطر.
ولعلّ المؤشر الأهم، هو إحجام دول عدة شقيقة وصديقة عن رفع مستوى المساعدات الإنسانية البحت، فكم بالحري بالنسبة إلى مساعدات إعادة الإعمار والتي يقول دبلوماسي خليجي إنّه من المبكر الكلام عليها، طالما أنّ هناك قوة مسلحة تتحكّم بمفاصل الدولة من داخلها وخارجها.