كتب ميشال طوق:
خلال مرحلة الإحتلال السوري للبنان، كنا دائماً ما نسمع النكات حول جيش الأسد المتخلف الذي كان على سبيل المثال يمسك الهوية بالمقلوب، لدرجة أن أحد المهضومين عندنا قال له ذات مرة: جلّسها دخيلك آكل مخلوطة
على المستوى الأعلى، ورغم سياق التخلف ذاته ولو بدرجات متفاوتة، إستطاع هؤلاء السيطرة على فئات كثيرة من المجتمع اللبناني وساقوها بالعصا والإذلال، ذل كان مقبولاً من المتملقين واللاهثين خلف المناصب والصفقات وعشق العيش كأهل ذمة.
إرتحنا من حكم نظام المجازر بالمباشر، لكنه جير أفعاله لأتباعه من اللبنانيين، الذين كنا نظن أنهم كلبنانيين مفروض أن يكون تفكيرهم وطريقة تعاملهم مع الأمور مختلفة، لكن للأسف، من شب على شيء شاب عليه ولعنة التخلف تحمكت بهم.
ما تكشف لاحقاً، أن الغباء والتخلف آتٍ من بعيد، وأبعد من سوريا.
من يسمع ما يصدر عن المسؤولين الإيرانيين، يفهم جيداً ما يقوله أتباعهم هنا.
منذ سنوات يتحفنا هؤلاء بأفكار وتصاريح غريبة عجيبة لا يمكن فهمها إلا من خلال الإطلاع على عقيدتهم الماورائية، وكان أكثرها تخلفاً ما قاله أحدهم بأن ثمة من إخترع لهم تورش لايزر ليدمروا فيه الدبابات والطائرات!
ومئات التصاريح المتشابهة والتي تدعو للسخرية، لكنها يا للعجب، كانت تصدقها شعوب بأكملها من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان، ناهيك عن التصاريح الأخرى التي تؤكد وتهدد بمحو دول عن الخريطة ورميها في البحر في دقائق قليلة.
الغريب أن تصاريح بعض مسؤولي الحزب الإلهي عندنا لا تختلف في تفاهتها وسخافتها عن ما يقوله أولياء أمرهم.
فرغم أنهم وافقوا من دون أي قيد أو شرط على الإتفاق المذل لوقف النار، وإعطاء إسرائيل حق التصرف بما تراه مناسباً لها أو مخالفاً لبنود الإتفاق الذي يسمح لها بحرية الحركة، وبالرغم من أنها تحتل مساحات شاسعة من الجنوب، وبالرغم من الخسائر الفادحة في الأرواح التي لا يمكن تعويضها، من أمينهم العام الى معظم المسؤولين الى المقاتلين الى المدنيين، وبالرغم من كل الإصابات القاتلة التي وصلت في يوم تفجير البايجرز الى أكثر من 4000 إصابة، وبالرغم من هول الدمار ومحو قرى بأكملها، وبالرغم من سقوط المحور الممانع في وقت قياسي…
ما زال هؤلاء يدّعون ويتفوهون بتعابير بائدة لم يعد هناك أي مجال لا من قريب ولا من بعيد للعودة إليها أو تصديقها، حتى من بيئتهم التي على ما يبدو أنها ستكون رأس الحربة في مواجهتهم.
لن يعود لبنان الى عصركم المظلم قطعاً وبتاتاً، ولن نرضى بأن تتحكم بمستقبلنا ومقدراتنا مجموعة فاشلة على كل الصعد، حتى الناحية المقاوماتية التي كانت تتغنى بها، تبرهن بالدليل القاطع أنها أفشل من الفشل بذاته، والحماية التي كانت تمنن بها اللبنانيين أدخلت بيئتها في نكبة لم تعرف لها مثيلاً.
لا خيار ثالث أمامكم، إما الإستمرار في الإنحدار نزولاً وجلب الأخطار والويلات عليكم من كل حدب وصوب، وإما التسليم بالدولة والدستور والإنضواء في ظلهما والعيش كمواطنين طبيعيين لا ماورائيين.