IMLebanon

بكركي وسايكس – بيكو 2: الحياد ونزع السلاح أولاً

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

لا يمكن إجراء قراءة شاملة للعام 2024 من دون التركيز على الأشهر الأخيرة التي قلبت المعادلات في لبنان والمنطقة وفتحت الطريق أمام التغيير الكبير.

يجلس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي ويراقب تغييرات المنطقة الكبرى. يدرك أن ما حصل في الربع الأخير من هذا العام لا يقلّ أهميةً عن الفترة التي كانت خلال ولاية البطريرك الياس الحويّك، ورسمت لبنان الكبير بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وإقرار «سايكس- بيكو»، فالمنطقة بأكملها باتت أمام «سايكس- بيكو 2».

يوم قال البطريرك الراعي في خلال تطويب البطريرك إسطفان الدويهي «الله لن يترك لبنان»، فذلك كان نابعاً من إيمان بكركي بأن هذا البلد، بلد القداسة والقديسين لن يترك لوحده. لم يستسلم الراعي وهو يرى البلاد تغرق في «حرب الإسناد»، ولم ييأس بعدما صمّ «حزب الله» أذنيه عن سماع صوت جميع اللبنانيين الذين طالبوه بوقف هذه الحرب وعدم إعطاء إسرائيل ذريعة لتدمير لبنان، وظلّ الراعي مصرّاً على عودة الدولة برأسها الماروني.

أطلّ العام 2024 والبطريركية تحاول لمّ شمل المسيحيين عبر لجنة بكركي التي درست الوثيقة الخاصة، والتي قاطعها رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، ورغم المقاطعة بقيت أبواب بكركي مشرّعة أمام فرنجية وكل الموارنة، لكن صوت البطريرك ظلّ صادحاً ومطالباً النواب المقاطعين بالعودة عن الخطيئة التي يرتكبونها.

عام مرّ ولم يدعُ رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، فالجلسة الأخيرة كانت في 14 حزيران 2023، وعمل البطريرك على عدم السماح لبرّي و»الثنائي الشيعي» بتكريس أعراف جديدة، أي خلق عرف الحوار قبل كل انتخابات رئاسية، في وقت ينص الدستور على قيام النواب بواجباتهم والنزول إلى الجلسة ومن يحصل على الرقم الأكبر وفق الدستور يفوز بالرئاسة.

لم يفكّر الراعي مسيحياً فقط، بل وطنياً، خاض جميع الإستحقاقات من منظار وطني، لذلك كان داعماً للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، ووقف سدّاً أمام إفراغ المؤسسة العسكرية من قيادتها وضرب آخر مؤسسة وطنية تعمل بشكل صحيح.

دخل لبنان آتون الحرب بعد تفجيرات البيجر في 17 أيلول، وما حذّرت منه بكركي والسياديون حصل، لبنان ينجرّ إلى الحرب الكبرى، حرب ودمار وتهجير، نحو مليون لبناني باتوا مشردين، والبلدات المسيحية في الجنوب تقاوم لتصمد، وللبطريرك الراعي موقف في رفض المس بجغرافية لبنان، وانتهت الحرب بالذهاب إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.

يدخل العام 2025 والبطريركية المارونية أمام تحديات كبيرة، أهمها الحفاظ على لبنان الكبير ومنع تغيير وجهه. ولا تفصل بكركي بين همومها الخاصة والهموم الوطنية، إذ تعتبر انتخاب رئيس للجمهورية من أولى الأولويات ولا يمكن للبلد أن يسير في الطريق الصحيح إلا بعد استعادة رأس الهرم والتأسيس لمرحلة جديدة.

ترى بكركي أنه وعلى الرغم من التوقيع على وقف إطلاق النار، إلا أن ذلك لا يلغي مخاطر تجدد الحرب، وهنا يوجد خطر حقيقي على الكيان.

يوم رسم البطريرك الراعي خريطة طريق إنقاذية، طالب بالحياد وعقد مؤتمر دولي، ولا مانع بعد كل المغامرات من تحييد لبنان عن صراعات المنطقة بعدما دفع الفاتورة الأغلى ثمناً.

تصرّ بكركي على أن مسيرة بناء الدولة لا تكتمل إلا بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، لذلك سيكون العام 2025، عام التحديات الكبرى وبناء الدولة انطلاقاً من انتخاب رئيس لأن الاستمرار بهذا الشكل سيؤدي إلى الخراب، في حين أن الوجود المسيحي يترسخ بوجود دولة لا بسيطرة شريعة الغاب وربط لبنان بساحات جلبت الخراب والدمار.

اغتيل الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، سقط نظام الأسد الذي كان العدو الأول للمسيحيين، ومعه ضعف النظام الإيراني في المنطقة وسقطت الإمبراطورية الفارسية، وأمام كل هذه التحولات، تبقى بكركي متمسّكة بلبنان وبوجهه الذي رسمه البطاركة، وكل محاولات التخويف لا تدخل قاموس البطريركية التي ترى قيامةً للبنان، لا زوالاً.