IMLebanon

حياد لبنان بين الهدنة مع إسرائيل والمعاهدة مع سوريا

كتب أنطوان مراد في “نداء الوطن”:

على طاولة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ملفات وأوراق عدة حول حياد لبنان، تقدمت بها إليه جهات سياسية عدة وبعض رموز الأنتلجنسيا المسيحية، وتلتقي في معظمها عمليّاً على التنويه بخيار الحياد الذي دعا إليه سيّد بكركي ووصفه بالحياد الإيجابي الناشط.

وإذا كان بعض أهل السياسة لا سيما ممن ينتمون إلى فريق الممانعة، أو حتى ممن يعتبرون أنفسهم معتدلين أو وسطيين، يراوح موقفهم بين اعتبار الحياد وجهاً آخر من وجوه التقسيم، وبين من يرفض هذا الحياد ويرى فيه تخلياً للبنان عن حضوره السياسي وبخاصة في المنطقة، فإن عنوان الحياد لا يُختصر باعتماد لبنان موقف اللاموقف وفصل نفسه عن هموم المنطقة والعالم ورفض التعاون مع الجيران والأشقاء، بل يعني،  وتحديداً من خلال الصيغة التي يطرحها البطريرك الراعي، اتخاذ لبنان كسلطة سياسية وكطبقة سياسية من مختلف المشارب، ما يشبه موقفاً وطنيّاً ثابتاً بضرورة تحييد لبنان عن المحاور والصراعات الخارجية، من دون أن يتخلّى عن دعم أيّ قضية محقّة على الصعيد السياسي المبدئي.

إن اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 والتي ما زالت نافذة وسارية المفعول، تشكّل نموذجاً، ولو محصوراً بأطراف ثلاثة، يصبّ في دائرة تعزيز مفهوم الحياد. والاتفاقية بالمعنى القانوني اتفاقية دولية توفّر للأمم المتحدة إحدى الأدوات التي تتولّى من خلالها ضبط الأمن والاستقرار عند الحدود وفي المنطقة، علماً أن الاتفاقية تلزم إسرائيل باحترام الحدود الدولية بين البلدين.

والاتفاقية بحدّ ذاتها، لا تعني السلام مع إسرائيل، بل تعني تكريس وقف الأعمال الحربية وفرض الهدوء، وتالياً لا يمكن للبنان أن يتورّط بأيّ حرب إقليمية بين إسرائيل وإحدى الدول في المنطقة، كما لا يمكن لإسرائيل أن تخرق هذه الاتفاقية بحجّة “أن لبنان دولة شقيقة للدولة التي تحاربها أو تتنازع معها على مسألة معيّنة” كما يقول دبلوماسي مخضرم.

أمّا معاهدة “الأخوة والتعاون والتنسيق” الموقعة في دمشق في أيار 1991، والتي بدت أقرب إلى تهريبة في حينه، فإن عقدها تمّ تحت وطأة الوصاية السورية السياسية والعسكرية، علماً أنّ النظام السوري لم يلتزم الكثير من بنودها، بل إنّ مجرد مخالفته المادة الرابعة منها، يقدّم مبرراً لا لبس فيه لتخلّص لبنان من موجباتها. فهذه المادة نصّت صراحة على إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع اعتباراً من خط ضهر البيدر – حمانا – المديرج – عين دارة، بعد إقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية كما ورد في اتفاق الطائف، بينما في الواقع ، استمرت  القوات السورية حتى العام 2005 منتشرة في مختلف المناطق، ولم تنسحب إلا بفعل الضغط الدولي على خلفية ثورة الأرز.

ويلفت وزير واكب مرحلة توقيع المعاهدة، إلى “أن أقصى ما تنص عليه هذه المعاهدة هو التنسيق وليس التكامل بين البلدين، علماً أنّ سحب هذه العبارة الحسّاسة أي “التكامل بين البلدين” تطلب الكثير من الأخذ والرد والتحفظات، وجيد أنها لم ترد في النص لأنها تشكل تمهيداً أو تبريراً لنوع من الوحدة غير المعلنة”.

في أي حال، إن الحياد أو التحييد، كما يحلو للرئيس السابق ميشال سليمان قوله، يمثل جانباً من العناوين التي تندرج في إطار أي تركيبة جديدة في النظام بهدف تطوير الصيغة وتوفير ضمانات لمختلف المكونات اللبنانية تؤمّن الحفاظ على التنوع والحرية والمساواة بمعزل عن الأرقام والأعداد، فضلاً عن أن الحياد يمنع أي طرف لبناني، وتحت أي حجة، أن يستعين بقوّة خارجية للاستقواء على الدولة أو على سائر الأطراف والمكونات، كما يحمي هذا الطرف نفسه من استقواء الآخرين عليه.

ولذلك لا مناص على الأقل من إعادة النظر في معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، لمنع استغلاها من أي من الدولتين، فلا تتدخل سوريا في الشأن اللبناني، ولا يتدخل لبنان أو أي طرف لبناني في الشأن السوري كما فعل “حزب الله” عبر مشاركته في الحرب السورية. في الخلاصة، يمثّل حياد لبنان ضمانة له ولجيرانه، فلا يكون عرضة لأي احتلال أو هيمنة خارجية، ولا يمثّل خطراً أو يشكّل ممرّاً لأيّ خطر على جيرانه، وهذا الواقع لا يمنع أن تستمر اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، طالما أن لا سلام كاملاً معها.