كتب هشام بو ناصيف في “نداء الوطن”:
لا تترك مجريات الأيّام الماضية الكثير من الشكّ حول نوايا “حزب اللّه” بالمرحلة الحالية. لا يريد “الحزب” تسليم سلاحه للدولة اللبنانيّة ولو أنّه وقّع اتّفاقاً ينصّ على ذلك. لا يريد للطائرات الآتية من العراق أو إيران أن تتفتّش كما يتمّ تفتيش أيّ طائرة أخرى تغطّ بمطار بيروت. ولا يريد طبعاً الإقلاع عن لغة تهديد معارضيه، وصولاً إلى تذكيرهم بـ 6 شباط 1984 وبـ 7 آب. ماذا يعني كلّ ما سبق؟ الجواب أنّ “حزب اللّه” غير متصالح مع الستاتيكو، ولا يزال مصمّماً على استبداله بدولة شيعيّة يزعم إقامتها على أنقاض الدولة الحاليّة التي لم يعترف بشرعيّتها يوماً، ولو زعم العكس.
فكّر بالمعطى الأوّل والأساس، عنيت السلاح. بقاؤه بيد “الحزب” يعني بقاء إسرائيل بجنوب لبنان، على خلفيّة توتّر أمني مستمرّ بين الطرفين، واحتمال اندلاع حرب جديدة بأيّ لحظة. هذا السيناريو ينفي علّة وجود الدولة بلبنان، لأنّ الدولة التي لا تتحكّم بسياساتها الدفاعيّة بالضرورة صوريّة. فكّر أيضاً باستعادة محطّة 6 شباط بإطار حملة ضدّ إجراء عادي بالمطار تفاعلت معها البيئة الشيعيّة بشكل واسع. تكشف هذه المسألة بالتحديد أنّ التيّار الغالب بين شيعة لبنان يرى نفسه فوق قوانين لا بأس من تطبيقها على مكوّنات أخرى، ولكن ليس عليه. من ينتظر من مكوّن يحرّكه وعي حرب أهليّة دائمة، وصورة تفوقيّة عن ذاته مقارنة بالآخرين أن يساهم ببناء دولة في لبنان، سينتظر طويلاً.
ومع ذلك، الصورة لا تخيف على قتامتها. بنهاية المطاف، لا يهمّ أن يكون الوضع الشيعي عموماً محتقناً، عندما لا يستند هذا الاحتقان إلى قراءة ذكيّة لمعادلات القوّة بالمنطقة، وبلبنان نفسه. بالحقيقة، النظام الإيراني منهك اقتصاديّاً، مفلس أيديولوجيّاً، ومحاصر دوليّاً. أحداث السنة الماضية أذلّته وكشفت خواء ادّعاءاته. القوّة الرابحة بالمنطقة هي إسرائيل. والقوّة المستفيدة من تطوّرات سوريا هي تركيا. والتحوّل الاقتصادي والاجتماعي المثير للاهتمام يحدث بالسعوديّة. غالب الظنّ أنّ كلّ هذا لن يتغيّر على المدى المنظور لأنّه يستند إلى معطيات بنيويّة. بالمقابل، قدرة ملالي طهران على البقاء بالسلطة مسألة فيها نظر. رجل الشرق الأوسط المريض يزداد مرضاً.
يعني هذا، بالنسبة لشيعة لبنان، أنّهم راهنوا على حصان خسر. كلّفهم هذا الرهان عداء إسرائيل، وسوريا الجديدة، وجلّ العالم العربي، وهذا خطر بما يكفي. ولكنّ الأخطر أنّ المكوّنات الثلاثة الأخرى بلبنان، عنيت المسيحيّين، والسنّة، والدروز، لم يكونوا يوماً بقطيعة نفسيّة مع الشيعة كما هم اليوم.
ليست المشكلة، تالياً، أنّ موازين القوى تتحرّك مع مشروع الدولة الشيعيّة بلبنان، وضدّ الآخرين؛ العكس صحيح. المشكلة الحقيقيّة أنّ المتضرّرين من مشروع الدولة الشيعيّة ببلادنا يلتقون ضديّاً على رفضها، دون أن يتّفقوا على آلية مواجهة موحّدة، ولا على مشروع بديل، دع عنك خرافة “تطبيق الطائف” الذي شبع موتاً. ليس سرّاً، مثلاً، أنّ وليد جنبلاط سارع لإشهار دعمه للمرشّح الرئاسي جوزف عون لقطع الطريق على سمير جعجع. وليس سرّاً أنّ علاقة “القوّات” بـ”الكتائب” باردة بالرغم من تقاطع الحزبين على مواقف وطنيّة أساسيّة. وليس سرّاً أيضاً أنّ الحالة السنيّة لا تزال مشتّتة منذ سنوات ما ساهم بتذبذب الوضع المعارض بلبنان. هنا، بالحقيقة، موطن القلق. لا ينفع، بنهاية المطاف، أن ترمي التحوّلات الاقليميّة فرصة صوب بلادنا إن لم نلتقطها. وخوفي لو استمرّت أحوال المعارضة على ما هي عليه أن يصحّ فينا ما قيل عن سوانا لجهة أنّنا قوم لا يضيّعون فرصة لإضاعة الفرصة.