جاء في “نداء الوطن”:
جوزاف عون قائد الجيش الرابع عشر أصبح رئيس الجمهورية الرابع عشر. محطة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث، أوضح معالمها خطاب القسم الذي حدد عناوين المرحلة بما تستوجبه من تحولات تحت عنوان “التغيير الكبير، بناء الجمهورية القوية القادرة وعودتها إلى حضنها اللبناني برعاية إقليمية ودولية”.
وصول الرئيس جوزاف عون إلى قصر بعبدا لم يكن سهلاً، فخخته أطراف داخلية مرات عدة، عطلته بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، فيما سهلته أطراف أخرى، قامت بجهود استثنائية وجبارة لتعبيد طريقه إلى القصر.
في هذا السياق كشفت مصادر مطلعة على آخر التطورات التي سبقت جلسة الانتخاب، بأن “القوات اللبنانية” قامت بجهد استثنائي لتسهيل طريق الرئيس جوزاف عون إلى بعبدا.
وأشارت المصادر إلى “أن الجميع يعلم جيداً أن التمديد للعماد جوزاف عون، قائداً للجيش، ولمرّتين كان أساسهما تكتل “الجمهورية القوية” الذي شكل رأس حربة في التمديد، الأمر الذي شكل قاعدة أساسية لاستمراريته في قيادة المؤسسة العسكرية، مما ساعده على البقاء في موقعه، موضع ثقة باقي اللبنانيين به والدول الصديقة للبنان إلى أن نال دعمهم في الانتخابات الرئاسية.
أضافت المصادر: “في خلال الأسبوعين الأخيرين، كان لـ “القوات اللبنانية” بعض الأسئلة وأرادت نقاشاً عميقاً مع عون، الأمر الذي تكلّل بلقاء بين العماد جوزاف عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع”.
في المقلب الآخر، وبحسب مصادر “لم يوفر فريق الممانعة و”التيار الوطني الحر” وسيلة إلا واعتمداها لتعطيل ورفض وصول عون إلى الرئاسة حتى الساعات الأخيرة قبل الجلسة. حملات بالجملة أطلقها محور الممانعة شككت بوطنيته وألصقت تهم العمالة والصهيونية بشخصه، وأكثر من مرة صوب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم على حظوظ عون الرئاسية”.
تتابع المصادر: “اضطر فريق الممانعة أن يصوت لعون في النهاية بعد حصوله في الدورة الأولى على 71 صوتاً من دونهم وهذا رقم كبير، بالإضافة إلى الضغوط والإجماع العربي والدولي حول اسمه، فما عاد باستطاعتهم أن يقفوا في وجه زخم ترشيحه. حاولوا في المحطة الأخيرة انتزاع ضمانات حكومية وغير حكومية منه، وعبثاً حاولوا”.
انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، شكل خسارة إستراتيجية كبرى لفريق الممانعة، نظراً إلى غياب نفوذ المحور الذي ينتمي إليه في إتمام الاستحقاق الرئاسي، بعد الالتقاء الأميركي – السعودي بشكل رئيسي على رئاسة عون. وهذا من أبرز أوجه التبدلات الإقليمية مع سقوط محور الممانعة وتراجعه الكبير في المنطقة.
تعتبر المصادر، أن الخاسر الثاني هو جبران باسيل لأن جوزاف عون منافس جدي داخل قواعد “التيار الوطني الحر”، نظراً لما يمثله من خلفية عسكرية تعاطف معها العونيون من قَبل مع ميشال عون الذي نقل قيادة “التيار” إلى جبران باسيل، الذي لم يحصل على مشروعية من هؤلاء. جوزاف عون منافس جدي في هذا المجال.
ختمت المصادر بالإشارة إلى أنه من المتوقع أن يلتحق بعض النواب، غير الذين تركوا تكتل “لبنان القوي” من قبل، بتكتل نيابي حول رئيس الجمهورية الجديد.
إذاً، من المتوقع أن يؤسس العهد الجديد الرؤيوي والإصلاحي لمرحلة جديدة ستنطلق بالدعوة لإجراء استشارات نيابية بأسرع وقتٍ لاختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً، على أن يستعيد مجلس النواب دوره التشريعي، بدل تلطي بعض نوابه خلف دستور انتهكوه مرات عدة خدمة لمصالحهم، ورشقوا زملاءهم بعبارات معيبة ومهينة أمام الحضور الدبلوماسي.
كيف بدأ اليوم الانتخابي الطويل؟ بعد مرور سنتين وشهرين و9 أيام على الفراغ الرئاسي، و12 جلسة آخرها كانت في 14 حزيران 2023 وأولها في 29 أيلول 2022، تصاعد الدخان الأبيض، وانتخب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية في الجلسة 13 بدورتها الثانية بـ 99 صوتاً من أصل 128، قاطعاً الطريق على تعديل دستوري، فيما صوت 9 نواب بورقة بيضاء، 12 نائباً بورقة “السيادة والدستور”، وحصد شبلي الملاط على صوتين، أما الأوراق الملغاة فبلغت 5.
وكان قد حصل الرئيس جوزاف عون في الدورة الأولى قبل أن يرفعها رئيس مجلس النواب نبيه بري، على 71 صوتاً، فيما بلغ عدد الأوراق البيضاء 37 وحصل شبلي ملاط على صوتين واقترع 14 نائباً بعبارة “السيادة والدستور”. وكُتب على أربع أوراق “جوزاف آموس بن فرحان”، “يزيد بن فرحان”، “الوصاية”، “السيادة مش وجهة نظر” واعتبرت ملغاة.
الجلسة حضرها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الموفد السعودي الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان، سفراء اللجنة الخماسية وعدد من الدبلوماسيين.
وفي خلال استراحة الدورتين التي منحها الرئيس بري للنواب لمزيد من التشاور، شهدت اجتماعاً خاصاً بين وفد لـ “الثنائي الشيعي” مع الرئيس عون.
عملية انتخاب رئيس للجمهورية بمواصفات سيادية في خضم التغيرات الإستراتيجية الكبرى، التي بدأت بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، مروراً بضرب وشلّ قدرات أذرع إيران ووضع مستقبل نظام الملالي على المحك، توحي برغبة المجتمع الدولي دفع لبنان إلى اللحاق بالتغيير الحاصل، الذي يسابق تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم في 20 من الجاري.
أنعش خطاب القسم للرئيس المنتخب جوزاف عون قلب الدولة ومؤسساتها، شكل انقلاباً على أطماع الدويلة وقطع عليها الطريق، أعاد الأمل إلى الشعب اللبناني بإمكانية عودة الدولة القوية السيدة الحرة والمستقلة، التي لها وحدها الحق بامتلاك شرعية السلاح، ” عهدي أن أمارس دوري كرئيس للمجلس الأعلى للدفاع لتأمين حق الدولة باحتكار السلاح وسنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب، وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، كما سنناقش إستراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه”.
وفيما كان يلقي الرئيس المنتخب خطاب القسم وتحديداً في خلال حديثه عن حصرية السلاح، علا التصفيق الحار داخل المجلس فيما آثر نواب “الثنائي” الصمت، وتصفحوا الرسائل التي وردت إلى هواتفهم.
استجاب الخطاب لتطلعات الشعب اللبناني من خلال العمل على إقرار مشروع قانون اللامركزية الإدارية الموسعة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة وفي طليعتها الجسم القضائي، ومنع التدخل السياسي الفاقع فيه، “إذا أردنا أن نبني وطناً فإنه علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون والقضاء… التدخل في القضاء ممنوع لا حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال وعهدي هو التعاون مع الحكومة الجديدة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء”.
عون الذي تعهد بإعادة ما دمره الإسرائيلي في كل أنحاء لبنان، أشار إلى أنّه “آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض”.
خارطة الطريق التي رسمها خطاب القسم بجرأة ووضوح في ما خص الشأن الداخلي، قابلها تصور لعلاقة لبنان بدول الجوار والمنطقة، إذ دعا “إلى بدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية لمناقشة كافة العلاقات والملفات العالقة بيننا لا سيما ملف المفقودين والنازحين السوريين”. كما رفض التوطين للفلسطينيين وأكد عزمه على تولي أمن المخيمات”.
بعد الانتخاب وتلقي التهاني في البرلمان، توجه الرئيس المنتخب إلى قصر بعبدا، في حين عمت الاحتفالات لبنان ومسقط رأسه في العيشية. كما تلقى سيلاً من الاتصالات المهنئة، أبرزها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيزور لبنان قريباً، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وغيرهم.
وعلى وقع الاتصالات المهنئة والتأكيد على دعم لبنان، لفت موقف السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني قال فيه: “هناك مثلث ذهبي جيش شعب مقاومة وهذا المثلث يجب أن يستمر والمقاومة جزء من لبنان”.
هذا التدخل المتكرر والسافر في الشأن الداخلي اللبناني، سيصطدم هذه المرة بالرئيس القوي الذي ومن خلال خطابه قطع الطريق على التحريض الإيراني المستمر، لا بل نسف مثلثهم “جيش شعب مقاومة” عن بكرة أبيه بثلاثية ذهبية حقيقية “جيش شعب وطن “. وعلى إيران أن تدرك أن ما قبل هذه الجلسة ليس كما بعدها، وأن المقاومة الحقيقية في بسط الشرعية على كامل التراب اللبناني، والوقوف سداً منيعاً في وجه تدخلاتها التي أنهكت لبنان.