كتب طارق أبو زينب في “نداء الوطن”:
يقف لبنان أمام لحظة تاريخية مفصلية مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية. وطال انتظار هذا الحدث الذي يُفترض أن يشكل نقطة انطلاق نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة المتداعية وإنجاز الإصلاحات الهيكلية الضرورية. ويجد الرئيس المنتخب نفسه في مواجهة تحديات جسيمة، أبرزها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أنهكت اللبنانيين، إلى جانب مهمة تعزيز الأمن والاستقرار. كما يتصدر الأولويات تنفيذ القرار الأممي 1701 بجميع بنوده، بما في ذلك إنهاء وجود السلاح غير الشرعي على الأراضي اللبنانية .
في هذا الإطار، يمثل ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات تحدياً أمنياً وسياسياً كبيراً بالنسبة للدولة اللبنانية. وعلى الرغم من التفاهمات التي جرى طرحها خلال جلسات الحوار الوطني في العام 2006، والتي كانت تهدف إلى حصر السلاح داخل المخيمات وتنظيمه بما يخدم تعزيز السيادة الوطنية، فإن هذا الملف ما زال عالقاً. ويعود هذا الجمود إلى تعقيدات السياسة الداخلية اللبنانية، حيث يظل موقف «حزب الله» العامل الرئيس في إبقاء هذا الملف بلا حل. إذ يرى «الحزب» في السلاح الفلسطيني جزءاً من استراتيجيته الإقليمية وعلاقاته مع بعض الفصائل الفلسطينية، ما يجعل هذه القضية تتداخل مع قضايا إقليمية أوسع .
القرار 1701 وضغوط المجتمع الدولي
من جهة أخرى، يتولّى الجنرال الأميركي غاسبر جيفرز رئاسة لجنة الإشراف على تنفيذ آلية وقف إطلاق النار بين لبنان والقوات الإسرائيلية، بالتوازي مع مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين. وتسعى اللجنة لضمان التزام لبنان بالقرارات الدولية، ومراقبة تنفيذها بدقة، في وقت تتزايد فيه الضغوط الجيوسياسية على لبنان، ما يضعه أمام مسؤوليات كبيرة تتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة .
التحوّلات والضغوط الدولية
وأفادت مصادر مطلعة لـ«نداء الوطن»، أن الأنظار تتجه حالياً إلى منطقة جنوب نهر الليطاني في ضوء الاتفاقات الدولية التي تفرض تعزيز سيطرة الجيش اللبناني هناك. ويترافق ذلك مع ضرورة نزع سلاح «حزب الله» بما يتوافق مع الالتزامات القانونية. وتشمل المرحلة الأولى من الخطة نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية مثل الرشيدية، البص، والبرج الشمالي، مع السماح لقوى الأمن الوطني الفلسطيني بحمل السلاح الفردي. تهدف هذه الخطوة إلى تنفيذ خطة شاملة تدريجياً، تبدأ من الجنوب وتستمر لتشمل سائر المناطق اللبنانية .
المخيمات والمناطق الاستراتيجية
وأفاد مصدر دبيلوماسي غربي «نداء الوطن»، بأن عملية نزع السلاح غير الشرعي وتفكيك المنشآت العسكرية لن تقتصر على منطقة جنوب الليطاني كما يتصور «حزب الله»، بل ستشمل كل المناطق اللبنانية.
هذا يشمل أيضاً السلاح الفلسطيني في المخيمات، حيث يتم التنسيق مع الجيش اللبناني، الذي يحظى بدعم دولي وعربي، لضمان تطبيق هذه الخطة. وفي خطوة ملموسة، قامت «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» بتسليم أسلحتها للجيش اللبناني وأخلت مواقعها في مناطق استراتيجية مثل قوسايا، عين كفرزبد، حشمش في البقاع، والناعمة بالقرب من بيروت .
التحديات المستقبلية
تستمر الدولة اللبنانية في التزامها تطبيق القرار الأممي، في وقت يتوسع انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. ومن المتوقع أن تشهد السنة الحالية تحركات مكثفة نحو نزع السلاح غير الشرعي في الأراضي اللبنانية، بما في ذلك السلاح الفلسطيني. وبالرغم من التحديات الداخلية والخارجية، يبقى نجاح هذه الجهود مرهوناً بقدرة لبنان على إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على سيادته الأمنية وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك حق العودة.
ويبقى السؤال الأهم: هل سينجح لبنان في التوفيق بين التزاماته الدولية واحتياجاته الوطنية؟