Site icon IMLebanon

هل يمحو عون الثاني خطايا عون الأول؟

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:

كما بدّل قائد الجيش العماد جوزاف عون بدلته العسكرية وارتدى البدلة الرسمية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، على العهد الجديد أن يخلع عن الدولة بدلتها القديمة ويلبسها ثوباً جديداً. العناوين التي حملها خطاب القسم يجب أن تشكّل خريطة طريق للحكم بكل مكوّناته الدستورية من رئاسة الحكومة إلى تركيبتها ووزرائها وإدارات الدولة وقيادة الجيش تأكيداً على تنفيذ مندرجات اتفاق وقف النار والقرارات الدولية 1559 و1680 و1701 من أجل استعادة سيادة الدولة الكاملة لتكون رئاسة الجمهورية في موقعها الصحيح.

يشبه وهج انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني وهج انتخاب الرئيس رينيه معوض في 5 تشرين الثاني 1989. بعد 25 عاماً أعاد انتخابه في ظل الدعم الدولي الواضح الروح إلى اتفاق الطائف. وإذا كان انتخاب معوض جاء بعد أيام على إقرار ذلك الاتفاق في المملكة العربية السعودية، فإن انتخاب عون يأتي ليعطي أملاً جديداً بأن قيامة الدولة ممكنة، وأن عهداً جديداً يجب أن يبدأ.

يأتي انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية ليعيد لبنان إلى مرحلة ما قبل اندلاع الحرب عام 1975. هي المرة الأولى منذ ذلك التاريخ التي يبدو فيها أن لبنان يمكن أن يعود إلى عصر الأمل والزمن الجميل عندما كانت الدولة دولة.

المرة الأولى منذ 50 عاماً

هي المرة الأولى منذ 50 عاماً يستلم فيها الحكم دولة يمكن أن تكون كاملة المواصفات. على عكس العهود السابقة من سليمان فرنجية إلى الياس سركيس، وبشير الجميل، وأمين الجميل، والياس الهراوي، وإميل لحود، وميشال سليمان وميشال عون، يدخل الرئيس جوزاف عون إلى قصر بعبدا بحماية الجيش اللبناني وحده بانتظار أن يبسط هذا الجيش سيطرته الكاملة على كل الأراضي اللبنانية، وهو العنوان الذي كان في أساس انتخاب عون وحشد كل هذا الدعم الدولي له. فهو يتسلم دولة خلت ويجب أن تخلو من السلاح غير اللبناني. فلبنان اليوم يعيش مرحلة ما قبل اتفاق القاهرة بعد سيطرة الجيش اللبناني على مواقع كانت لا تزال تحتلها قوى فلسطينية تابعة للنظام السوري. وهو يعيش اليوم من دون جيش سوري ومن دون سيطرة هذا النظام على قراره بعد انسحاب هذا الجيش في نيسان 2005 وبعد سقوط هذا النظام. وهو ينتظر استكمال انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب واستكمال تسليم “حزب الله” سلاحه وتفكيك ترسانته العسكرية وخروج قادة الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وعودتهم إلى إيران، وإنهاء كل مفاعيل ثلاثية الحزب “جيش وشعب ومقاومة”، تنفيذاً لاتفاق وقف النار الذي وافق عليه “الحزب”.

أكثر من ذلك. انتخاب معوض كان في ظل الإحتلال السوري وفي ظل وجود العماد ميشال عون في قصر بعبدا. عون الأول والنظام السوري منعاه من الوصول إلى قصر بعبدا وسهّلا عملية اغتياله واغتيال الطائف الذي أقر برعاية سعودية ودولية. اليوم يدخل عون الثاني إلى قصر بعبدا على أنقاض عهد عون الأول الذي فوّت كل الفرص التي كانت متاحة له من أجل استعادة السيادة الكاملة للدولة والذي أول دخوله إلى القصر الجمهوري بعد عامين ونصف عام من الفراغ الذي فرضه “حزب الله” تنازل عن سيادة الدولة والجيش وأعطاه غطاء للاستمرار في دوره الذي يصادر دور الدولة. هذا التنازل قاد عهد عون الأول إلى سلسلة انهيارات كانت كارثية على الدولة واللبنانيين.

انهيار عهد عون الأول

بقي عون الأول في قصر بعبدا ولكنّه أعطى سلطة القرار لـ “الحزب”. وكانت ثورة 17 تشرين الإشارة الأقوى إلى انهيار العهد وسلطة الرئيس الذي بشّر اللبنانيين بأنّهم رايحين على جهنم.

خرج عون الأول من الحكم بصمت ومرارة بعدما كان دخله بوعود كثيرة وبأحلام كبيرة. قبل انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول 2022 كان “حزب الله” يتحكم بمصير الرئاسة ويأسرها. بداية الأسر لفرض الفراغ كانت في أيار ذلك العام، في لقاء الفطور الذي جمع فيه الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله حليفيه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. مرشحان لرئاسة الجمهورية يبدآن بطلب رعاية نصرالله. فكيف تكون رئاسة؟ سمى نصرالله فرنجية فوقع الخلاف مع باسيل وفرض “الحزب” الفراغ، وكان لا يزال يتحكّم بكل مفاصل السلطة. هذا التحكّم دمر كل مقومات الدولة.

اليوم يصل عون الثاني إلى قصر بعبدا بعد سلسلة تطورات لا يمكن فصلها عن هذا المسار الذي بدأ منذ تعيينه قائداً للجيش في آذار 2017 ومرّ بسلسة محطات شكلت صعوداً له وانهياراً للعهد.

صعود عون الثاني

كانت صورة عون الثاني تبنى على أنقاض صورة عون الأول من خلال:

من انهيار إلى انهيار

في ظل كل هذا الترحيب الداخلي بانتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، وفي ظل كل هذا الدعم الدولي الممنوح له وكل هذه الرعاية الواعدة بقيامة جديدة للبنان، يبدو أن عهد عون الثاني لديه كل الفرص الممكنة من أجل أن يمحو خطايا عهد عون الأول بعيداً من سيطرة “حزب الله” وعن وجود أي قوى غير لبنانية على أرض لبنان. لا شك في أنّها فرصة تاريخية من أجل عودة لبنان إلى هويته الأساسية واستعادة صورته في الزمن الجميل. مهمة صعبة يتولّاها الرئيس الجديد، ولكنّها لم تعد مستحيلة.