Site icon IMLebanon

حركة لافتة في قصر بعبدا

كتب ناجي شربل وأحمد عز الدين في “الأنباء”:

باشر رئيس الجمهورية العماد جوزف عون نشاطه في القصر الجمهوري ب‍بعبدا، واستقبل في يوم العمل الأول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ثم الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس ووزير خارجية إيطاليا أنتونيو تاياني.

ويأخذ رئيس الجمهورية في الاعتبار الاستحقاقات الداهمة، وفي طليعتها التأكيد على انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية ضمن ما تبقى من مهلة الـ 60 يوما الخاصة باتفاق وقف إطلاق النار. وهو الملم أكثر من غيره في هذا الملف، انطلاقا من كونه كان قائدا للجيش، ويعرف الجنوب ومنطقة جنوب الليطاني بدقة، من أيام خدمته العسكرية فيها قائدا للواء التاسع، قبل توليه قيادة الجيش في 2017.

وكان رئيس الجمهورية رسم طريقا صعبا للاصلاح في الدولة والإدارة العامة وحصر السلاح بالشرعية العسكرية اللبنانية، عبر خطاب قسم أقرب إلى دستور عصري للجمهورية، ويختزل العناوين الأساسية للبيانات الوزارية في العهد الجديد.

كلام الرئيس العالي النبرة، رفع معنويات اللبنانيين التواقين إلى سلطة الدولة وحدها، وأعاد تشريع أبواب البلاد أمام ثقة دولية وعربية حصل عليها لبنان مسبقا بالدفع بانتخاب رئيس للجمهورية، وترجمت ببيانات الترحيب بالرئيس جوزف عون من قادة الدول الكبرى من أجنبية وعربية.

ولفتت الفرادة اللبنانية الى إنجاز الاستحقاق الذي طال انتظاره، والاحتفال الراقي والهادئ برئيس الدولة القادم من رحاب الدولة ومن مؤسستها الوطنية الأبرز الجيش اللبناني. رقي بعدم إطلاق الرصاص العشوائي، واستمرار الناس في أعمالهم يوم الانتخاب وبعده، وعدم تعطيل المدارس والجامعات.. عوامل تعكس صورة الدولة التي ينتظرها الناس، وقد سارع رئيسها إلى تعزيزها ببساطة الإجراءات الاحتفالية، والحزم في خطاب القسم.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية: «سعدت هذا الصباح بالمجيء إلى قصر بعبدا بخاصة بوجود فخامة الرئيس العماد جوزف عون، وجددت له بداية تهاني الحارة بانتخابه، متمنيا ان يكون عهده عهد نجاح وبحبوحة وازدهار للبنان».

وأضاف: «بحثنا خلال اللقاء في العمل الذي تحقق في الفترة الماضية، والتي قامت الحكومة خلالها بتصريف الاعمال. وخلال سنتين وشهرين منذ انتهاء عهد فخامة الرئيس ميشال عون، عقدت 60 جلسة لمجلس الوزراء وصدر خلالها اكثر من 1211 قرارا كما صدر اكثر من 3700 مرسوم. كل الامور التي قمنا بها كانت بهدف الإبقاء على عجلة الدولة وتسيير أمورها. واعتقد ان الجميع شهدوا اننا استطعنا تمرير هذه المرحلة وحافظنا على استمرارية الدولة، وبشكل خاص من خلال العمود الفقري للدولة وهو الجيش بقيادة العماد جوزف عون وبالتعاون الذي حصل بيننا وبينه».

وتابع: «تحدثنا عن التحديات الموجودة وعن خطاب القسم الذي حدد التوجهات لاي حكومة جديدة من أجل تنفيذ ما ورد فيه عبر الخطوات الدستورية اللازمة. كما تحدثنا عن الوضع في الجنوب وضرورة اتمام الانسحاب الإسرائيلي السريع والكامل وإعادة بسط الاستقرار في الجنوب ووقف الخروقات الإسرائيلية على لبنان».واشار إلى انه«خلال اللقاء طلب فخامة الرئيس استمرار الحكومة في عملية تصريف الاعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة وان يكون تشكيلها بإذن الله في اسرع وقت». وردا على سؤال قال: «هناك اجراءات دستورية يجب ان تقام، وعملا بالقول عند كل اذان صلاة، فعندما تحصل الاستشارات والتكليف فلكل حادث حديث». وردا على سؤال عن موقف د. سمير جعجع من عدم الاتجاه لتسميته لرئاسة الحكومة المقبلة قال:«نحن نقدر كل الآراء والمواقف السياسية، ولكل إنسان حرية قول ما يريد، وفي النهاية فان الاجراءات الدستورية ستأخذ مجراها».وعن العناوين التي تحدث عنها الرئيس عون والحكومة التي يمكنها ترجمة هذه العناوين قال: «الخطوط العريضة التي حددها فخامة الرئيس مهمة جدا، والنية موجودة لدى قيادة هذا البلد، والكثير من العناوين التي حددها فخامة الرئيس يمكن ان تنجز سريعا من خلال حكومة نشطة تواكب توجهه». وعن قوله بحصرية السلاح في يد الدولة والقرار 1701 قال: «هل ننتظر من رئيس البلاد ان يقول ان السلاح مشرع للجميع؟ هل ننتظر من حكومة جديدة أن تقول ان السلاح مشرع بيد جميع المواطنين؟ نحن اليوم أمام مرحلة جديدة تبدأ من جنوب لبنان وجنوب الليطاني بالذات، من اجل سحب السلاح وان تكون الدولة موجودة على كل الاراضي اللبنانية وان يكون الاستقرار بدءا من الجنوب».

وكان انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية طوى مرحلة من الشغور الرئاسي استمرت لسنتين وشهرين. كما ان هذا الانجاز وضع لبنان على سكة الانطلاق نحو إعادة بناء الدولة، واغتنام الفرصة التاريخية المتاحة وعدم ضياعها لأنها قد لا تتكرر. وأعطى الاجماع المحلي بعد الانتخاب، زخما استثنائيا محليا، لاقى اهتماما عربيا ودوليا غير مسبوق، وجرى التعبير عنه من خلال التهاني التي انهالت من دول عربية وأجنبية، اضافة إلى اندفاعة دول «اللجنة الخماسية» الدولية التي اعتبرت انها حققت الهدف الذي سعت اليه على مدى سنة ونصف السنة من الجهود والاتصالات والمساعي الحثيثة.

وقال مصدر نيابي بارز لـ«الأنباء»: «انطلاق مسيرة العهد تبدأ الاثنين المقبل من خلال الاستشارات النيابية لاختيار رئيس لتشكيل حكومة العهد الاولى. وتشير المعطيات إلى ان الرئيس نجيب ميقاتي مرشح بقوة للعودة إلى تشكيل هذه الحكومة، لانه يتابع مختلف الملفات الساخنة التي سيتصدى لها العهد».

وأضاف المصدر: «أمام العهد وحكومته ملفات كبيرة لا تحتمل التأجيل، وستواجه بعد نحو اسبوعين انتهاء مهلة الـ 60 يوما التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وسط تكرار بيانات إسرائيلية عن ان حكومة بنيامين نتنياهو ستبقي على الجيش الإسرائيلي في ثلاثة مواقع على الأقل داخل الحدود اللبنانية، وتقيم فيها مراكز أمنية لمدة غير محددة. وهذا الأمر يتطلب متابعة من قبل الحكومة مع الجهات الدولية والأمم المتحدة وخصوصا الولايات المتحدة وفرنسا، ويتطلب أيضا إعطاء الدعم المطلوب للجيش اللبناني لاستكمال الانتشار وإزالة كل البنى التحتية العسكرية الحزبية في جنوب لبنان».

وتابع المصدر: «ان ترتيبات الوضع الأمني الجنوبي لا يمكن فصلها عن إعادة المواطنين إلى منازلهم سواء في الجنوب أو في المناطق الأخرى من خلال بدء ورشة الاعمار. وهذا لن يتحقق الا من خلال المساعدات العربية والدولية في ظل الوضع الحالي للخزينة. وهذه المساعدات ستكون مرهونة بالثقة بالدولة والإسراع في قيام حكومة توحي بالثقة وما يتناسب مع مستوى الاهتمام الدولي لبنان. والتأخر في إعادة الاعمار سيهز الثقة الكبيرة التي واكبت عملية الانتخاب، كما ستكون له تداعيات سياسية غير سليمة».

وثمة ملفات مطلوب التصدي لها من الحكومة الأولى للعهد، وأهمها إعادة تحريك إدارات الدولة التي يعتريها الشغور والترهل وتحتاج إلى تنشيط. كذلك فإن الادارات المحلية تعاني من شلل كبير من خلال التجديد للمجالس البلدية والاختيارية ثلاث مرات متتالية، ولابد من الاستعداد لإعادة الحيوية إلى هذه المجالس التي تساهم في تأمين الخدمات العامة للمواطنين في معظم القرى والبلدات اللبنانية، خصوصا ان الاستحقاق البلدي موعده بعد أشهر قليلة.

وتتوقع مصادر متابعة، ان تنطلق عجلة الحكم بقوة خلال الاسابيع المقبلة، مستفيدة من التوافق الذي واكب مساعي الاستحقاق والظروف الإقليمية والدولية التي تفرض على جميع فئات الشعب اللبناني والقوى السياسية الانضواء تحت سلطة الدولة، في إطار من التعاون لتجاوز المرحلة الصعبة والدقيقة في كل المجالات، من أجل عودة النهوض الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان، منذ بدء انهيار العملة اللبنانية في العام 2019، وما تلاها من غياب الثقة بالقطاع المصرفي.