IMLebanon

«العصا الدولية» أنقذت السيادة

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

ما إن حطّت طائرة الضغط الدولي والزخم العربي في مطار الاستحقاق الرئاسي، فاردةً جناحيها فوق القبة البرلمانية لانتخاب الرئيس جوزاف عون، حتّى استفاقت غيرة مغتصبي السيادة، الذين أوغلوا خناجرهم لعقودٍ في بنيانها وراحوا يحاضرون بالعفّة وكيفية احترام الدستور. كما صوّت عدد من الهزليين والمهرّجين بورقة «السيادة تبكي في الزاوية». إنه أحد تجسّدات العفن السياسي وعمى التمييز بين وصاية من جهة وتدخّلٍ خارجي لرفعها عن صدر اللبنانيين من جهة أخرى.

تُشبه العلاقات الدولية إلى حدّ ما، الصِلات الفردية والتفاعلات الاجتماعية، أي عندما يتعرّض منزل لحريق داخليّ أو لمشاكل بنيوية تهدّد بسقوطه، يصبح من الواجب الإنساني والأخلاقي، أن يقتحمه الجيران أو الأصدقاء لإنقاذه من الكارثة المحتومة، أو عندما يُقدم أحد الأشخاص على الانتحار، فهل يسأله رجال الإنقاذ إن كان يريد عونهم أم يهرعون إلى نجدته من دون موافقته؟ ألا يُشبه واقع الجمهورية السياسي والاقتصادي والأمني هذه الأمثال؟ ألسنا دولة مارقة وفاشلة وعاجزة حتّى عن معالجة أزمة النفايات المتفجّرة منذ العام 2015، بسبب الزمرة الحاكمة؟ من استجلب التدخّل الخارجي بعد حرب الإسناد؟ من دفع ووافق على تشكيل «اللجنة الخماسية» عقب الشغور الرئاسي الذي دام أكثر من سنتين؟ من خرق الحدود الوطنية وأرسل مقاتليه إلى حلبات النار الإقليمية؟

انطلاقاً من هذه المعطيات، وبما أنّ لبنان هو عضو مؤسس في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولأنّ البلد رُمي بلا شفقة ورحمة في حربٍ مدمّرة، ونَشَرَ الفساد سرطانه حتى أخمص قدميه، وتَصَدّر لوائح الأمم التعيسة، ونال «وسام» اللائحة الرمادية، كان لا بدّ من إنزال عربيّ وغربيّ لانتشاله من رأسه، أي عبر رئاسة الجمهورية.

«هذا التدخّل لا يتعارض مع مفهوم السيادة الوطنية»، إذ يستند وفق المحامي والباحث في حقوق الإنسان نديم البستاني إلى القانون الدولي الذي ينصّ على «مبدأ التدخّل الإنساني» (Humanitarian Intervention) أكان عبر مساعدات مالية وخيريّة أم عسكرية (لو على حساب السيادة)، عندما يتعرّض المجتمع لجرائم كبيرة أو إبادات. والحالة المأسوية التي وصلها لبنان على كلّ المستويات الإنسانية والمعيشية والاقتصادية والسياسية، وتدحرجها نحو منحى كارثي، بعد الحرب الأخيرة، وكل هذا الدمار الذي جلبته، كان لا بدّ على سبيل القياس من مظلّة خارجيّة إنقاذية».

يسأل بستاني: «أليست اللجنة الخماسية على سبيل المثال لا الحصر، والتي ارتضى بوجودها كلّ الأطراف السياسية بمن فيها المعترضون على الاستحقاق الرئاسي، تصبّ في إطار التدخّل الدولي؟ لماذا لم يعترض هؤلاء على تشكيل حركتها؟ والأمثلة الدولية عديدة، نذكر منها التدخّل الأممي العسكري خلال حرب البوسنة والهرسك (1992 – 1995) وانتهاءها باتفاقية دايتون تحت إشراف أميركي».

أمّا على المستوى السياسي، فالقول إنّ الجمهورية انتقلت من وصاية إلى أخرى، يؤشّر على تعطّل وظيفة العقل وعدم قدرته على التفريق بين المنطق واللامنطق. فالمجتمع الدولي ليست لديه مشاريع أيديولوجية وثورية تهدّد فكرة الدولة الوطنية وتقفز فوق الحدود مثل طهران. كما أنه لم يستثمر في بناء الميليشيات وشبكات التهريب وهدم مرتكزات الدولة كما فعلت «الجمهورية الإسلامية في إيران» عبر ذراعها «حزب اللّه». جلّ ما تريده واشنطن وباريس والرياض والحاضنة العربية، هو حفظ السيادة وإجراء الإصلاحات والابتعاد عن مشاكل الإقليم والاهتمام بشؤوننا المحلّية وبناء الاستقرار واستعادة العلاقات الطبيعية للبنان.

في نافذة تاريخية، يصف مؤرّخون أنّ أوّل تجربة شهدها لبنان في تطبيق «واجب التدخل الإنسانيّ»، كانت خلال أحداث 1860 في جبل لبنان، عندما أرسل نابليون الثالث قوات فرنسية لحماية المسيحيين بعدما ساهمت السلطات العثمانية في إشعال الحرب بين الدروز والموارنة. وبعد هذا التدخّل وبفضل النظام السياسي المعتمد آنذاك (المتصرفية) تنعّم لبنان بأفضل حقبات الاستقرار والازدهار والحكم الذاتي في تاريخه، حتى قيل يومها «نيال لي عندو مرقد عنزة بجبل لبنان».