Site icon IMLebanon

ميقاتي استمرار لنفوذ “الثنائي”

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:

يشكّل خطاب القسم للرئيس جوزاف عون بكل مضامينه “برنامج حكم”، وفي الوقت عينه وثيقة ولادة “الجمهورية الثالثة” بعد تحرّر الدولة من هيمنة الوصايتين، السورية “الأسدية” بداية (1990-2005)، والإيرانية تالياً (2005-2024). بيد أن هذه الوثيقة بحاجة إلى شركاء فاعلين لترجمتها على أرض الواقع، في طليعتهم رئيس حكومة بـ”بروفيل” مطابق لرئيس الجمهورية، يمتلك القدرة على تحويل خطاب القسم إلى “بيان وزاري”، ليكون صراطاً أحدّ من السيف وأرقّ من الشعرة، يمضي عليه مع أركان حكومته.

إذا كانت عملية انتخاب رئيس الجمهورية انحسرت طيلة “الماراتون” الرئاسي ببضع شخصيات، فإن سلطان “السراي الحكومي” يدغدغ أحلام ما بين 25 إلى 30 شخصية سنية. أولهم رئيس الحكومة الحالية، نجيب ميقاتي، الذي كان صاحب الحظ الأوفر حتى الأمس القريب. إلا أن التحولات الكبيرة التي حصلت أفقدته الدعم العربي، والسعودي خصوصاً، وكذلك الدولي، ما خلا الفرنسي.

والحال أن تكليف ميقاتي يشكل ضمانة لـ “حزب الله” تمكنه من إعادة إنتاج نفوذه، وتكفل لشريكه في “الثنائية” خطف الختم المالي الاستراتيجي، مباشرة أو مواربة، بما ينسف مضامين وثيقة الولادة إياها من جذورها، ويؤخّر ترجمة انطلاقة “الجمهورية الثالثة” على مستوى أداء مؤسسات الدولة. وبالتالي لا تستوي التسريبات التي تروّج لها الآلة الإعلامية لـ “الثنائي الشيعي” حول حصوله على ضمانات من رئيس الجمهورية بإعادة تكليف ميقاتي مجدداً مع خطاب القسم.

ذلك أن “أبو ماهر” بارع في فنّ التسويف والتملّص من القرارات الاستراتيجية والإدارية على حد سواء، وخلال 3 ولايات له في “السراي الحكومي”، لم يُعرف له نهج سياسي واضح. وكانت السمات البارزة لخطابه الافتقار إلى الصلابة، والتسوّل الدائم، لا سيّما في الحكومة الأخيرة. ناهيكم عن المواقف “المائعة” المنسوبة زوراً إلى “الوسطية”، فيما واقع الأمر، أنه يبيع كل طرف محلي أو خارجي ما يريد تحت غطاء “تدوير الزوايا” و”مناورات تفرضها التوازنات”، تصب جميعها بنهاية المطاف في خدمة أهداف “حزب الله”.

ترأس حكومة “القمصان السود” التي ثبّتت انقلاب “حزب الله” على الشرعية والديمقراطية، ونقلت مفاعيل “7 أيار” من الشارع إلى الدولة، وتنازل عن صلاحيات “رئاسة الحكومة” لرئيس البرلمان، فتحولت “الرئاسة الثالثة” من شريك دستوري في عملية صناعة القرار إلى مجرد فرع تابع لـ “عين التينة”، وهو الأمر الذي برز بشكل فج إبّان الحكومة الحالية.

بدءاً من تأخير العمل بـ “التوقيت الصيفي”، والتي ظهر فيها الرئيس نبيه برّي وهو يُملي القرار على ميقاتي بطريقة مُهينة، مروراً بتغطيته البطش بعميدة “كلية الآداب” هبة شندب، على يد جماعة “ناظر” البرلمان والدولة، فقط لزيارتها السفير السعودي وليد البخاري، والذي أدّى إلى تكريس برّي “مرجعية” للسنة من موظفي الدولة. وصولاً إلى دوره الهامشي في الاتفاق الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، مروّجاً بكونه “ضربة معلم” حمّل فيها “الشيعية السياسية” أوزار “وثيقة الإذعان”.

ارتضى ميقاتي خلال أشهر ما عرف بـ “حرب المساندة” بدور “البوسطجي” بين الموفدين الدوليين و”حزب الله”. لم يتحرّك إلا في الأسابيع الجحيمية استجابة لضغط عربي ودولي، مع حرصه على النطق بلسان مصالح “الحزب” في أكثر من موضع، أحدثها كان تلميحه من الجنوب بالردّ على الخروقات الإسرائيلية، والكل يعرف من هي الجهة التي في إمكانها الرد.

أما الكلام عن الرئيس سعد الحريري فلا يعدو كونه تعبيراً عن “نوستالجيا”  تتغذى من تسريبات يقف خلفها “تيار المستقبل”، في مسعى للحصول على دور في تسمية الرئيس المكلف، فضلاً عما يشكله الحريري من ضمانة لـ “الثنائي” أمضى من نظيرتها “الميقاتية”، بحكم سياساته الرضائية والاستيعابية المبالغ فيها، والتي تتيح لركنيه هامشاً واسعاً لإعادة إنتاج نفوذهما.

ينبغي استغلال الزخم الوطني الذي رافق عملية انتخاب الرئيس جوزاف عون وقوة الدفع العربية والدولية، لتكليف شخصية تتّسم بالصلابة، تتميز بخطاب سياسي يجسد تطلعات “لبنان الجديد” الخارج من عباءة الوصايات البائدة، كي يكون “الشريك المنشود” الذي تحدّث عنه الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم، لتكوين ثنائي متناغم في تشكيل حكومة منتجة، ومتجردة من أثقال الأعراف الهجينة وغير الدستورية التي طبعت المرحلة السابقة. وهذا ما لا ينطبق سوى على عدد محدود جداً من الشخصيات التي يتم التداول باسمها.