Site icon IMLebanon

انتعشت آمال المودعين… فهل يفعلها البرلمان؟

كتبت رنى سعرتي في “نداء الوطن”:

في السنة السادسة للانهيار المالي والاقتصادي، في إطار أزمة نظامية قل نظيرها في العالم، حيث صنّفها البنك الدولي كاسوأ ثالث أزمة في العالم في التاريخ الحديث، وما نتج عنها من أزمة ودائع، لا يزال الأمل لدى شريحة كبيرة من الشعب اللبناني قائماً لجهة إمكانية استعادة ودائعهم، رغم أنهم يعيشون على الدولارات الـ300 التي توزعها عليهم المصارف شهرياً، بقرار من مصرف لبنان، من دون معالجة الأزمة التي بدأت قبل خمس سنوات.

انتعشت الآمال مجدّداً بخطاب قسم رئيس الجمهوية العماد جوزاف عون الذي أكد انه «لن يتهاون بحماية أموال المودعين»، رغم أنه الشعار ذاته الذي رفعه نواب الأمّة الحاليون والسابقون منذ اندلاع الأزمة، والشعار نفسه الذي استخدموه لإسقاط مشاريع القوانين التي عرضت على مجلس النواب من أجل إيجاد حلّ للأزمة، من كابيتال كونترول، مروراً بإعادة هيكلة المصارف وصولاً إلى قانون الانتظام المالي… إلى أن تراجع حجم الودائع التي لم يُعرف لها حلٌّ، من 169 إلى حوالى 90 مليار دولار نتيجة عمليات تذويب متنوعة.

لم ينبض الأمل مجدّداً فقط بإمكانية استرداد الودائع، بل بإمكانية انتعاش سعر الصرف واستعادة الليرة زخمها ومكانتها، حيث بدأ الطلب على الليرة منذ إعلان جلسة لانتخاب الرئيس، يرتفع تدريجياً إلى أن أصبح على شكل تهافت عليها كونها شحيحة في السوق، مما أسفر عن ضخ مصرف لبنان خلال شهر كانون الأول الماضي حوالى 15,8 تريليون ليرة، في وقت كان احتياطيه من العملات الأجنبية متراجعاً بقيمة 530 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2024. يستمرّ حالياً التهافت على شراء الليرة مدفوعاً بالرهان على ارتفاع قيمتها مقابل الدولار، لدرجة أن البنك المركزي عوّض خلال اليومين الماضيين أكثر من 100 مليون دولار من احتياطياته الأجنبية المتراجعة، إلا أن اللافت في الموضوع أن سعر الصرف لم يتأثر بالطلب الكبير على الليرة وبقي ثابتاً مستقرّاً على السعر الذي حدّده مصرف لبنان، علماً أن عامل العرض والطلب كان من المفترض أن يرفعه لو لم يكن المركزي يتّبع سياسة تثبيته بشكل غير رسمي أو علنيّ.

تكلّم الرئيس الجديد عن «الحاجة إلى مصارف لا يكون الحاكم فيها القانون». فهل القوانين التي تحتاجها المصارف لإعادة هيكلتها واستعادة دورها الفعلي وانتظامها المالي، ستجد إجماعاً عليها في مجلس النواب أو حتّى قبل وصولها إلى هناك؟ فقد سارعت جمعية المصارف لتقدير حرص الرئيس على معالجة عادلة لموضوع الودائع مؤكدة «استعدادها لتحمّل مسؤوليّتها مع مصرف لبنان والدولة اللّبنانية بما يحفظ حقوق المودعين، ويعكس التوجّه السليم الذي أكّده قرار مجلس شورى الدولة، الذي يمنع تضمين أي من مشاريع القوانين الهادفة إلى معالجة الفجوة المالية في مصرف لبنان، إجراءات تؤدي إلى الاقتطاع من أموال المودعين».

عناوين اقتصادية إيجابية وملحّة تطرّق إليها خطاب القسم، تبعث على التفاؤل وتوحي بالثقة وتحظى بالتأكيد برعاية المجتمعين العربي والدولي. ليبقى السؤال: ما الذي يمكن أن يحمله انتخاب رئيس للجمهورية من إيجابيات للبلاد على الصعيد الاقتصادي والمالي والمصرفي، وهل إن عمل الرئيس والحكومة الجديدة المرتقبة في هذا الإطار، قد يصطدم بالعرقلة المعتادة في مجلس النواب؟

في هذا الإطار، اعتبر النائب ميشال ضاهر أن رئيس الجمهورية لا يملك عصا سحرية، ولا يستطيع منفرداً، القيام بالإصلاحات اللازمة لأنه يحتاج إلى حكومة متجانسة معه، ومجلس نواب يدعمه. لذلك، أكد ضاهر لـ»نداء الوطن» أنه سبق وطالب منذ عام بحكومة مع صلاحيات استثنائية للبتّ في كلّ ما يتعلّق بالمواضيع المالية والاقتصادية لكي تتحرك سريعاً بالإصلاحات اللازمة، أوّلها القوانين المالية والمصرفية من إعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي وغيرها… «لأن مجلس النواب «فاشل» وأثبتت التجارب أنه في حال طرح اقتراح بخصم 5 في المئة فقط من أموال المودعين، لن تجد نائباً واحداً يصوّت عليه» كاشفاً أنه يتم العمل حالياً للتوصل إلى صيغة يمنح فيها مجلس النواب الحكومة المرتقبة صلاحيات استثنائية تحضيراً للانتخابات النيابية عام 2026.

بالنسبة لمشاريع القوانين الإصلاحية الأخرى المطلوبة والملحّة، أشار ضاهر إلى ضرورة إقرار قانون تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء الذي تم إقراره في مجلس النواب وتعطّل بعد طلب التعديل عليه وعدم القيام لغاية اليوم بالتعديل، موضحاً أن هناك نيّة وحسّاً بالمسؤولية لدى الجميع، بما يوحي أن العرقلة التي كانت قائمة في مجلس النواب في بعض الملفات قد تزول حالياً. إلا أنه شدّد على أن الأمور والأصلاحات تحتاج إلى بعض الوقت لتسير على سكّة الصلاح، ولا يمكن منذ اليوم الاوّل رفع منسوب التفاؤل بدرجات كبيرة.

«داوها بالتي كانت هي الداء»، بهذه العبارة اختصر ضاهر كيفية معالجة عجز الخزينة، معتبراً أن ملف الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة 40 مليار دولار من الديون، هو الموضوع الأكثر إلحاحاً لمعالجته، طارحاً الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في هذا الاطار، والذي من الممكن ان يؤمّن الكهرباء 24 ساعة يومياً بكلفة أقلّ بين 20 و 25 سنتاً للكيلووات على أن يتم بيعها للمواطن بسعر 30 سنتاً للكيلووات في مقابل أكثر من 40 سنتاً حالياً يدفعها للمولدات، شارحاً أن تلك العملية ستوفر على المواطن وعلى الاقتصاد الإجمالي بحدود 3 مليارات دولار، وستؤمّن 100 دولار إضافية عن كلّ ميغاواط لمؤسسة كهرباء لبنان، أي حوالى 2 مليار دولار سنوياً، يمكن استخدامها لتسديد سلفات المؤسسة إلى الدولة التي بدورها يمكن أن تستخدم تلك الأموال لتسديد أموال المودعين. بالإضافة إلى ذلك فإن الإيرادات الإضافية الناتجة عن الضريبة على القيمة المضافة على فواتير الكهرباء في حال تمّ تأمينها 24 ساعة، مقدّرة بحوالى 600 مليون دولار سنوياً، يمكن استخدامها أيضاً لتسديد أموال المودعين.

وفيما ذكر ضاهر أن توسيع حجم الاقتصاد هو الأساس لزيادة إيرادات الدولة واستعادة أموال المودعين، أكد أن الثقة هي عامل الجذب الاوّل للبنانيين المقيمين في الخارج والمقدّرة ثرواتهم بحوالى 150 مليار دولار، معتبراً أن استعادة 10 في المئة من استثمارات اللبنانيين في الخارج، تؤدّي إلى تدفّق استثمارات بقيمة 15 مليار دولار إلى لبنان.