كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
سارع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى إطلاق الاستشارات النيابية وحدد موعدها اليوم لمنع هدر الوقت، رغبة منه في إطلاق موجة إصلاح وإنقاذ برعاية عربية ودولية وآمال داخلية كبيرة معلّقة على العهد الجديد.
لا يمكن إنكار الزخم الدولي في الاتجاهات كافة لاستعجال الاستحقاقات. سيخرج الدخان الأبيض اليوم من قصر بعبدا معلناً اسم رئيس الحكومة المكلّف الذي تحدّده الأغلبية النيابية لا رئيس الجمهورية، وسيطلق الرئيس المكلّف المشاورات بسرعة كي لا يقع أسر الطلبات والطلبات المضادة.
تشير المعلومات، منذ تاريخ توقيع “اتفاق الطائف” حتى يومنا هذا، قد تكون هذه المرّة الأولى التي تشكّل فيها الحكومة دستورياً، ستكون كلمة الفصل لرئيسي الجمهورية والحكومة، لا لنظام الأسد أو “حزب الله” أو لأصحاب النفوذ في البلد.
يعمل العهد على تأليف حكومة وفق معايير معينة تُسقط كل الأعراف غير الدستورية السابقة. أول تلك المعايير، أن يكون رئيس الحكومة والوزراء غير مرشحين إلى الانتخابات النيابية، فعمرها سيكون بنحو سنة وخمسة أشهر، وستشرف على انتخابات 2026 النيابية، لذلك يرفض الرئيس عون استغلال الحكومة كمنبر لخوض الاستحقاق الانتخابي.
المعيار الثاني الذي يضعه العهد، فصل النيابة عن الوزارة، لن تحصل ازدواجية في هذه الحكومة، فالوزير هو سلطة تنفيذية والنائب يجب أن يُشرّع ويراقب عمل هذه السلطة، لذلك يسعى رئيس الجمهورية إلى اتّباع هذه القاعدة طوال عهده وتكريس مبدأ فصل السلطات.
تضع بعبدا معياراً ثالثاً مهماً، عدم توزير حزبيين أو تأليف الحكومة وفق المحاصصة الحزبية، وجعل مجلس الوزراء صورة مصغّرة عن مجلس النواب، أما في حال وجود أشخاص كفوئين مقربين من بعض الأحزاب، لا مانع من توزيرهم على غرار الوزير السابق كميل أبو سليمان أو حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.
المعيار الرابع الذي يعمل عليه العهد، إسقاط احتكار الوزارات المكرّسة للقوى والأحزاب، فلا تستطيع أي قوة سياسية المطالبة بوزارة معينة أو الاحتفاظ بها أو التصرّف وفق منطق الأعراف.
شكل الحكومة التي يريد العهد الإنطلاق بها، حكومة عمل وإصلاح لا ساحة للتنافر السياسي، وستسقط كل الأعراف التي كُرست ما بعد “الطائف”. يمكن الاستنتاج مثلاً، أن وزارة المال الذي حاول “الثنائي الشيعي” تكريسها له سيفقدها حتى لو ذهبت إلى الشيعة. المشكلة لم تكن بتولي الشيعة هذه الحقيبة، من حقها حقيبة سيادية من أصل الأربع السيادية: المال، الداخلية، الخارجية والدفاع. ولا يوجد توجه لكسر الشيعة، بل الشخصية التي ستتولى وزارة المال سواء كانت شيعية أو من غير طائفة ستكون أمام ورشة إصلاح حقيقية، خصوصاً أن العين موجهة إلى هذه الوزارة، وستكون أساسية في التعامل مع صندوق النقد الدولي وملفات الإصلاح وإعادة الإعمار، والإصلاح يبدأ من هذه الوزارة.
لا يمكن للعهد الجديد التهاون مع مشاكل المرحلة الماضية، وبعد وزارة المال، ستحرّر وزارة الطاقة من قبضة فريق معيّن، فـ “التيار الوطني الحرّ” يضع يده على هذه الوزارة منذ عام 2009، والأكيد أن هذه الوزارة لن تعود إلى كنفه، لأنه أولاً اختار البقاء في المعارضة ضد العهد الجديد كما ألمح، ثانياً لأنه فشل في تأمين الكهرباء طوال فترة 15 عاماً، لذلك ستكون هذه الوزارة من ضمن الوزارات التي ستشملها “النفضة”، ومعها ستستكمل ورشة الإصلاح، بالتزامن مع استعداد دول عدة لمساعدة لبنان في حل أزمة الكهرباء بعد هدر نحو 50 مليار دولار عليها، والبلاد مظلمة.
دخل لبنان مرحلة جديدة عنوانها الإصلاح، المشكلة لم تكن في تولّي الشيعة وزارة المال، بل في سطوة السلاح على الحياة السياسية، التي كانت تعطل كل إصلاح واستحقاق وتسمح لفريق معين الاحتفاظ بحقيبة حتى لو فاحت منها رائحة الهدر، شرط تغطية سلاحه. وقد تكون هذه الحكومة هي الأولى من دون ثلث معطّل أو سيطرة قوة السلاح.