IMLebanon

لبنان الجديد في قلب ترتيبات ما بعد الحرب!

جاء في “اللواء”:

في تحوُّل نوعي، وليس جذرياً، مُلء الفراغ الرئاسي في لبنان، ووصل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون إلى سدة الرئاسة الأولى، بما يشبه العاصفة، وهو الرئيس الرابع، الآتي من رحم المؤسسة العسكرية، وهو الرئيس الخامس بعد اتفاق الطائف، مع الاشارة الى أن الرئيس الراحل الياس الهراوي، وهو أول رئيس، وكان نائباً، وهو المدني الأول الذي تولى رئاسة الدولة، بعد إنهاء الحرب الداخلية، التي توِّجت بحربي «الإلغاء والتحرير» بين العماد ميشال عون قائد الجيش آنذاك ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وكلا الرجلين ما يزالان حيَّين يرزقان، ويعملان في كسب تأييد الشارع المسيحي، أو المجتمع المسيحي.

في رئاسة الرئيس المرحوم حسين الحسيني، انتخب الهراوي رئيساً للجمهورية، بعد اغتيال الرئيس المتفق عليه في الطائف الرئيس الشهيد رينيه معوض، أمَّا باقي الرؤساء من النادي العسكريين، فأعلن انتخابهم الرئيس نبيه بري كرئيس لمجلس النواب، وهو ثالث رئيس حركة طائفية مسلحة، يضمها إلى جانب «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، التي كانت توصلت برعاية سورية إلى ما سمي حينها «الإتفاق الثلاثي»..

على مسرح الأحداث المحلية، بقي الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، والدكتور سمير جعجع لاعبين، على هذا النحو أو ذاك، بعد ان انضم إليهم النائب الحالي جبران باسيل، وتيار «المستقبل» الذي الذي غاب رئيسه سعد الحريري عن المشهد، وبقي يشكل قوة شعبية وقطاعية، تؤهله بالعودة إلى المسرح السياسي.

تتحدث إيران بلسان سفيرها في لبنان أماني مجبتى أنه لولا حزب الله، لما كان بالإمكان انتخاب العماد عون رئيساً..

ويتحدث مسؤول في الادارة السورية الجديدة أنه لولا الثورة السورية لما أمكن انتخاب رئيس في لبنان..
على أن الثابت، لتاريخه أن ما رجَّح عملية الانتخاب، ووصول قائد الجيش، هي الحرب، التي امتدت وتوسعت على مدى سنة كاملة وبضعة أشهر ودارت رحاها في الجو، بين طائرات مقاتلة أف 35 وغيرها، ومسيّرات متطورة، وأنظمة صاروخية باليستية عابرة للمسافات.. وصواريخ دقيقة، ومسيَّرات في المحور المناهض، او المحور الإيراني..

أثبت المحور قدرة بشرية فائقة في مناهضة العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأثبتت حركة «حماس» وحركة «الجهاد الاسلامي» وسائر حركات المقاومة المسلحة في فلسطين وغزة والتي ما تزال تقاتل حتى اليوم، موقعة اشد الخسائر بالمحتل الاسرائيلي، وجيشه المصدوم من بأس المقاومة الفلسطينية، كما اثبت مقاتلو حزب لله، سواءٌ الذين سقطوا على أرض المعركة على طول محاور القتال من القطاع الغربي الى القطاع الشرقي، مروراً بالقطاع الأوسط، وعلى امتداد قرى الحافة الأمامية الحدودية تصميماً قوياً وعناداً أذهل القوات المعادية، لجهة البأس والشجاعة والتدريب وسائر ما يمكن أن يوصف به المقاتلون الشجعان..

سقط الشهداء وقتل من الجيش الاسرائيلي الغازي ما أدخل الرعب والخوف لدى قلوب الجنود وذويهم..

مثّلث اسرائيل أداة الحرب الهجومية على الأرض، باشراف مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعض الدول الغربية – الأوروبية.. مستفيدة من غرق الاتحاد الروسي، وزعيمه فلاديمير بوتين في الوحول الأوكرانية..
ولا يخفى أن تكنولوجيا التدمير، والتجسس والملاحقات والاغتيالات، ساعدت القوة الدولية واسرائيل المعتدية على حقوق العرب والفلسطينيين على تحقيق مكاسب في الميدان، سواءٌ لجهة غارات التدمير والمجازر والقتل المباح، أو لجهة التقدم البري، والدخول الى غزة، والى جنوب لبنان، واحتلال أراضٍ في الجولان، كانت منزوعة السلاح والتواجد بعد اتفاقية فك الارتباط عام 1974.

مع مكاسب الحرب، التي جناها العدوان الاسرائيلي، بعد عملية طوفان الأقصى، فوجئ المحللون والخبراء والدبلوماسيون أن من أبرز المكاسب، الاقليمية والدولية، انتهاز الفرصة، لتصفية الحساب مع نظام آل الاسد، الذي بدا أنه مهزوز، وضعيف وخائف، في مشهد دراماتيكي، يذكِّر بسقوط أنظمة مع ثورات الربيع العربي، سواءٌ في تونس أو ليبيا أو دول أخرى..

خسر المحور الإيراني، وما يُطلِق عليه خصومه «الأذرع الايرانية» نقطة الثقل الاستراتيجي في صراعات الشرق الأوسط، عادت العثمانية الجديدة، تلوّح بأعلام السلطنة، وامتد نفوذها مع سقوط دمشق العاصمة.. وسعت أطراف عربية ودولية لحجز مقاعد في القطار الاستراتيجي الجديد من زاوية الجيوبوليتيكا،والأيكوبوليتيكا (الجغرفيا الاقتصادية).

وتستمر العمليات، بعد الخروج الروسي والايراني، وانكفاء قوات حزب الله من سوريا، والتعهد بالخروج، ليس كأبناء الأرض والقرى والمدن المجبولة بالدم والدموع والحزن، بل إخراج الأسلحة، وتسليمها للجيش اللبناني انفاذاً للقرار 1701.

بعد الحرب، وفي زمن الترتيبات أو تنفيذ الاتفاقيات، يبرز على صعيد المشهد لاعبون مختلفون، أو لاعبون بأدوار مرسومة، وفقاً لخارطة طريق، واضحة المعالم..

فلبنان، الذي من المفترض أن يكون على سكة الخروج من الحرب الى غير رجعة، وهو واحد من الترتيبات الجيوبوليتيكية الجديدة، للدول العربية أو الاقليمية أو الدولية الطامحة..

وفي المشهد الترتيبي المشار إليه، تنازع قوى المحور التي منيت بضربات كبرى، تخطت الاغتيالات، وازاحة ملوك الربح والخسارة على رقعة شطرنج الصراع، يأتي انتخاب الجنرال جوزاف عون لمواكبة مسار متباين عن الماضي، ومتناغم مع الاستراتيجيات الدولية العربية المستجدة.