كتب رامي نعيم في “نداء الوطن:”
لم ينتقم أي سياسي لبناني في عصرنا الحديث، بالأطر الدستورية والطريقة الديمقراطية، كما انتقم رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل من “الثنائي الشيعي”.
حتى أن انتقام رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري في الانتخابات النيابية عام 2000، لم يكن مدوّياً إلى هذا الحد. فباسيل المشظّى برصاص الخصوم السياسيين، هو نفسه مذبوح بسكاكين الحلفاء، ويحقّ له الانتقام لسببين: الأول، أن باسيل خسِر على المستوى الشعبي اللبناني، وعلى مستوى ثقة التياريين، وعلى مستوى تماسك “التيار” داخلياً.
ثانياً، أن باسيل حمل وتحمّل عقوبات أميركية، وبغضّ النّظر عن صحّتها وأسبابها، تبقى ظالمة ما لم تُصب كثيرين في لبنان وعلى رأسهم حلفاء باسيل بالتحديد.
من هنا بدأ رئيس “التيار الوطني الحرّ” باتخاذ مواقف وقرارات تصبّ في مصلحة تياره ولا تتعارض مع مصلحة لبنان. وكان أبرزها أمس بتسمية مرشّح المعارضة نواف سلام لرئاسة الحكومة، ما أغضب “الثنائي الشيعي” وأفرح جمهور “التيار الوطني الحرّ”، ما أعطى انطباعاً عند المسيحيين بأن عهد الرئيس جوزاف عون، لن يكون إلا عهد نجاح. وفي معلومات خاصة، فإن باسيل فتح قنوات تواصل مع الرئيس عون، وهو سيكون إلى جانبه في المرحلة المقبلة. وما تسمية سلام سوى دليل إضافيّ على قرار باسيل بطيّ صفحة الماضي وركوب قطار الدولة. فلو لم يُقدم باسيل على انتخاب سلام، لكلِّف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ولكانت لحظة انتكاسة معنوية للعهد الجديد بعد اندفاعة كبيرة وترحيب كبير لخطاب قسم اعتبر تاريخياً.
تؤكد مصادر “التيار الوطني الحرّ”، أن باسيل لن يعرقل العهد ولن يتسبب في أي طعنة قد يتلقاها الرئيس عون. واقتنع باسيل بأن من ضرب عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون هُما “الثنائي الشيعي”، بعدما قدّم لهما عون كل ما باستطاعته من حماية لسلاح “حزب الله”، وحتى مواجهة “القوات اللبنانية” سياسياً إلى آخر لحظة من تاريخ العهد.
وأوضحت المصادر أن “الثنائي الشيعي” لم يعط التيار العونيّ والرئيس عون سوى الخذلان في الكثير من المحطات وخصوصاً المفصلية منها. وكان همّ “حزب الله” درء خطر الانقسام الشيعي على حساب العلاقة مع “التيار”. وذكّرت المصادر بأن “التيار” كان أول الرافضين لخوض “حزب الله” معركة الإسناد، لكنّه لم يقف ضد المقاومة ولم يستغلّ الحرب الإقليمية عليها، بل وقف إلى جانبها. وعلى الرغم من كل ذلك، بقيت أولوية “حزب الله” خيارات رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبقيت خيارات برّي مصلحة “الثنائي” قبل أي مصلحة أخرى، ولو كانت لبنانية.
في العودة إلى خيار باسيل في تكليف نواف سلام، فما فعله باسيل سيفتح للأخير باب العودة إلى الحضن الدولي، والبدء في مسار رفع العقوبات، والتحضير مع فريق العهد ومع حزب “القوات اللبنانية” والمعارضة اللبنانية الواسعة لتأسيس الجمهورية اللبنانية الثالثة من دون حسابات فساد ومفسدين.
باعتراف البعيد قبل القريب، أحرجت خطوة باسيل كثيرين من المتردّدين في التصويت لسلام، وكشفت النقاب عن كل المتسترين بعباءة باسيل، بينما هم لا يريدون وصول سلام إلى رئاسة الحكومة.
ولكي نكون منصفين، فإن خطوة باسيل، أتت بعد رفض الأخير عرضاً وزاريّاً وازناً من ميقاتي يسمح لباسيل بالعودة بقوة إلى جنّة السلطة. لكنّ رئيس “التيار الوطني الحر”، والذي عاش جنّة السلطة لسنوات، اكتشف أن لا عدد الوزارات، ولا عدد النواب، ولا عدد المدراء العامين، ولا حتى رئاسة الجمهورية، تُعطي شرعية للحزب أو للتيار السياسي، بل القدرة على الانسجام مع القناعات والعمل على تطوير المجتمعات والابتعاد عن الصفقات والفساد للوصول إلى وطن يشبه أحلام التياريين واللبنانيين بأكثريتهم الساحقة.
فكما انتقدنا باسيل مراراً وتكراراً، لا يمكننا اليوم إلا أن نقول، شكراً جبران باسيل لأنك أنقذت انطلاقة عهد الرئيس جوزاف عون، ولأنك عدت منسجماً مع البيئة اللبنانية.