IMLebanon

ماكرون في بيروت اليوم ورسالة لـ”الحزب”

جاء في “الراي الكويتية”:

تَعَزَّزَتْ مع وَقْفِ النار المُمَرْحَل الذي تقف على مشارفه غزة الأبعادُ الما فوق عادية لِما تَشهده المنطقةُ وبدأ يلفحها خصوصاً منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وتَسارَعَ مع العدّ العكسي لدخوله البيت الأبيض الاثنين المقبل على وهج متغيرات جيو – سياسية وضعتْ الإقليمَ على سكة توازنات وخريطة نفوذ جديدة على أنقاضِ تأثيراتٍ مدمّرة لـ «طوفان الأقصى» وما أفضت إليه الحروب المتعددة الجبهة التي أعقبته من «احتباسٍ» سياسي – عسكري للمحورِ الإيراني كانت أكثر ترجماته في لبنان بفعل ما أصاب «حزب الله» وبيئته جراء «إعصار النار» على مدى نحو 65 يوماً.

وتَعتبر مصادر مطلعة أن لبنان وبانتخاب الرئيس جوزف عون الخميس الماضي رئيساً للجمهورية، ثم تكليف القاضي نواف سلام الاثنين تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد، أَحْسَنَ الإمساكَ بـ «حبْلٍ» يرْبطه بالتحولات الإستراتيجية في المنطقة وطوى صفحةَ السير على حبلٍ مشدودٍ فوق أفواه براكين بدأت تخمد تباعاً وإن كان الإقليم ما زال يقيم في فم مخاطر انتقال عَصْفِ المتغيرات في اتجاه إيران نفسها، مشيرةً إلى أن ما حققتْه «بلاد الأرز» في أربعة أيام من نَقْلَةٍ وُصفت بـ «الثورة البيضاء» يصعب وقف اندفاعتها التي يُراد أن تحوّل الأمل الذي استعيد، بفعل حضٍّ خارجي حثيثٍ أفرج عن الاستحقاق الرئاسي وبـ «لبْننةٍ» طاغية قطعت الطريق على عودة نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة، إلى ثقةٍ بأن الوطنَ الصغير خَرَج من النفق المظلم على متن «قارب إنقاذ» شراعه – الشعار، الإصلاح والسيادة واتفاق الطائف.

وترى المصادر أنه بمقدار ما أن عون وسلام حريصان على انطلاقةٍ للمرحلة الجديدة من دون «ترْك أحد في الخلْف»، بمقدار ما أن رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» مقيّدان بحدود أي تفجيرٍ لمسارٍ برمّته له مقتضيات داخلية وخارجية ويشي الدفْعُ الذي يسير به بأن الالتزام به سيحجز للبنان موقعاً في الشرق الجديد في حين أن تفخيخه سيعني تفويت «قارب الإنقاذ» الأخير وتمديد البقاء في حفرة مالية وتحت ركام «الحرب الثالثة» وعلى قارعة النظام الاقليمي الذي يتشكّل «بمن حضر».

ومن هنا، تدعو المصادر إلى رصْد اللقاء الذي يُفترض أن يجمع اليوم بين بري وسلام، وسيكون الأول لهما منذ تكليف الأخير (ما خلا اللقاء التقليدي الثلاثي في القصر الجمهوري)، غداة انتهاء استشارات التأليف أمس والتي قاطعتْها كتلتا بري و«حزب الله» بذريعةِ ارتدادٍ يقولان إنه حصل على تفاهُم مسبق كان يقضي ببقاء ميقاتي في موقعه كأحد «الضمانات» المواكِبة لانضمامهما إلى التوافق على انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وهو ما اضطرهما إلى رفْع بطاقة اعتراضٍ اتخذت شكلَ مقاطعة مدروسة أقرب إلى قول «نحن هنا» بعدما كان «الزمن الذي تحوّل» مَحْكوماً بـ «الأمر لي» لقوى الممانعة.

ماكرون إلى بيروت

وتعتبر المصادر نفسها أن زيارة العمل التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت اليوم واللقاءات التي سيعقدها سيكون لها تأثير في تعزيز المناخات التي تحضّ على احتواء تداعياتِ تكليف سلام الذي تم وفق قواعد اللعبة الدستورية وعبّر عن إرادة لبنانية سياسية – شعبية، مستغربة الكلام عن «انقلابٍ» على تفاهماتٍ لا يمكن بأي حال الركونُ إليها كون المعنيين بها في النهاية هم النواب على اختلاف مشاربهم، ناهيك عن الدلالات العميقة لمجاهرة «حزب الله» بأنه «دَفَعَ» سلفاً بانتخاب رئيس الجمهورية في مقابل «شيك مؤخّر» حول رئاسة الحكومة وما قال إنه ضمانات تتصل بوقف النار وحدود تطبيق القرار 1701 وتعيينات إدارية وعسكرية وسواها، ليتبيّن أن الشيك «بلا رصيد»، في دلالةٍ على الهوامش الضيقة جداً التي باتت متاحة لتحرّكه والتي تحكم في الوقت نفسه أي خطوات اعتراضية.

وتلفت المصادر إلى أنّ الاتصالات التي يواصلها عون وسلام يُنتظر أن يتضح أثرها في الساعات القليلة المقبلة، وسط اقتناعٍ بأن توقيت زيارة ماكرون، الذي لعبت بلادُه دوراً عبر «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضم ايضاً الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر) في إنهاء الشغور الرئاسي – الذي ضغطتْ في اتجاهه خصوصاً الرياض من باب التشجيع على حُسن الاختيار واقتناص الفرصة الذهبية – يمكن أن يوفّر للثنائي الشيعي غطاءً للانتقال من «الغضبة» السياسية إلى ملاقاة اليد المدودة من رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، وذلك على قاعدة أن ذلك حصل بناءً على تمنيات دولية.

وفي رأي الأوساط عيْنها أن ما سيسهّل الانضمامَ إلى حلقة الدعم الجامع لعون وسلام، بحال اكتملت عناصره أن الحكومة العتيدة، التي لن تكون من حزبيين أو سياسيين، لا بد أن تراعي وحدة معايير في التمثيل وطبيعته كما في توزيع الحقائب مع جو يشي بأن حقيبة المال قد تبقى مع المكوّن الشيعي (إما للحاكم بالإنابة لمصرف لبنان وسيم منصوري وإما للنائب السابق ياسين جابر)، في حين ان أي ضمانات أخرى لا يمكن أن يقدّمها أي من الرئيسين لأنها ستكون في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً، ناهيك عن أن من شأنها أن تثير نقزة الخارج بإزاء العودة إلى «اللعب وفق القواعد القديمة» التي لن يسلّم بها المجتمعان العربي والدولي كونها هي التي تسببت بما آلَ إليه الوضع في لبنان.

«الدعم الكامل»

وإذ برز أمس الاتصالُ الذي حصل بين ماكرون وولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان وأكدا خلاله «دعمهما الكامل» لتشكيل حكومة قوية في لبنان في إشارة بارزة إلى حجم التوقعات في ما خص الملف الحكومي وتعبيراته المنتَظرة، فإن الرئيسَ الفرنسي الذي يقوم بثالث زيارة لبيروت منذ العام 2020 (حين حط مرتين في 3 أيام عقب انفجار مرفأ بيروت) له مصلحة في الدفع نحو تكريس ركائز انطلاق «لبنان جديد» ودعْمه، هو الذي تسعى بلادُه لأن تعزز حضورها في الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية.

وبعدما كان الاليزيه أوضح ان الزيارة تهدف للمساعدة على «تعزيز سيادة لبنان وضمان ازدهاره وصون وحدته»، نُقل عن دوائره أمس أن «بلاد الأرز» لها «قيمة رمزية وأخرى استراتيجية خاصة في الشرق الأوسط الحالي»، متوقعة حصول لقاء بين ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يزور لبنان بدوره، فضلا عن القائد العام لـ «اليونيفيل» والمشرفين على الآلية التي وضعت برعاية فرنسا والولايات المتحدة لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه في 27 تشرين الثاني بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله.

وسيشدّد الرئيس الفرنسي خلال زيارته على ضرورة «التزام المهل المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار»، أي ان يتم بحلول 26 كانون الثاني انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني. كما سيدعو حزب الله إلى «التخلّي عن السلاح» بغية «الالتحاق بالكامل بالمعادلة السياسية»، بحسب مصادر الإليزيه وأنه سيكرر رسالة «عودوا إلى السياسة وتخلوا عن السلاح».

وتشير المصادر المطلعة إلى أن موجة الزيارات الدولية – العربية للبنان التي لم تهدأ منذ انتخاب رئيس الجمهورية تؤشر الى حجم الجاهزية الخارجية لمساعدة «بلاد الأرز» بحال التزمت قواعد التغيير السياسي – الإصلاحي.

وبعد وزيري خارجية إسبانيا (والاتحاد الأوروبي) خوسيه مانويل ألباريس والدنمارك لارس لوكه راسموسن، زار بيروت أمس وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي الذي نقل إلى الرئيس اللبناني رسالة من الملك عبدالله الثاني تضمنت دعوة رسمية لزيارة الأردن، وذلك بعدما كان عون تسلّم ايضاً دعوة رسمية من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (عبر السفير في بيروت الشيخ سعود بن عبدالرحمن) لزيارة الدوحة.

وأكد الصفدي من قصر بعبدا «وقوف الأردن المطلق الى جانب لبنان في هذه المرحلة التي نتفاءل جميعاً بأنها ستكون بداية خير للبنان ليتجاوز كل التحديات السابقة وليتقدم نحو تحقيق هدفنا المشترك في ان يستعيد أمنه واستقراره، ويبدأ مسيرة إعادة الإعمار».

وأضاف: «نؤكد أيضاً ضرورة التزام إسرائيل بوقف اطلاق النار، ووقف أي اعتداء على لبنان وسيادته وتهديد امنه، واعتقد اننا في لحظة مهمة جدا لأن العالم كله يقف الى جانب لبنان، سواء في المنطقة او خارجها، ويدرك اهمية هذه اللحظة».

وتابع: «بالأمس أعلن عن وقف النار في غزة، وهذا أمر كنا نعمل عليه منذ اللحظة الأولى. نرحب بهذا الاتفاق ونؤكد ضرورة الالتزام به وتطبيقه وأن نتحرك جميعاً في المنطقة والمجتمع الدولي، من أجل إيصال المساعدات الكافية لأهلنا في غزة، بعد أكثر من عام من القتل والدمار والخراب. اذا عملنا معاً اعتقد اننا قادرون على ان نتقدم باتجاه مستقبل افضل (…) ونؤكد أيضا ضرورة ان تلتزم إسرائيل بالاتفاقات التي وقّعتْها، وبالقانون الدولي، وتوقف خروقها لوقف النار في لبنان، وتطبق وقف النار في غزة، وتنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها، وتسير مع المنطقة باتجاه بناء السلام العادل الذي يشكل تلبية حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة على التراب الوطني بحدود 4 حزيران 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، سبيلها الوحيد».

لبنان الدولة

في موازاة ذلك قال عون أمام زواره «سبق أن قلتُ يوماً ان لبنان الدولة هو الذي يحمي الطوائف وليس دولة الطوائف هي التي تحمي لبنان. ورأينا ما حصل وقد دُمر كل لبنان كما الاقتصاد، ولم تُدمر طائفة وأخرى لا، ولم تفتقر طائفة وأخرى لم يطلها الفقر، وما ألمّ بلبنان ألمّ به كله (…) وسيكون لنا جميعا دور تتضافر فيه جهودنا باتجاه بناء الدولة كي نؤمن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي».

وأمل «ان يوفق الله رئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومة بأسرع وقت، ما يساهم في إعطاء إشارة إيجابية للخارج ونبني جسور الثقة».

وقال: «أمامنا فرص كبرى فإما أن نستغلها، أو نذهب الى مكان لا نريده، بسبب اننا لم نساعد أنفسنا كي يساعدنا الآخرون»، متمنياً «ان يعي جميع المسؤولين دقة الوضع وحجم الفرص المتاحة أمامنا. كل ذلك يتوقف على خيارنا: هل نريد مصلحة شعبنا؟ هذه هي الطريق الواجب علينا سلوكها. اما الارتكاز على المصلحة الشخصية فنتيجته الخراب».