Site icon IMLebanon

باصات النقل المشترك أحدث “تراند” بين الشباب

كتبت زيزي اسطفان في “نداء الوطن”:

فيديو قصير على تيك توك لصبية تتراقص داخل أحد الباصات كان كافياً لإطلاق “تراند” جديد ووَصْل ما انقطع طويلاً بين الشباب وباصات النقل المشترك. صارت العيون تلاحق الباصات في الشوارع لتكتشف نمطاً جديداً من النقل المشترك يرضي الذوق العام ويحاكي تطلعات الجيل الجديد. فبعد عقود من هيمنة “الفانات” الخاصة على مشهد النقل المشترك عادت الدولة لتضع يدها على القطاع عبر شركة خاصة مشغّلة وتؤمّن للمواطن نقلاً متحضراً راقياً. التجربة واعدة رغم بعض الاعتراضات!

البدايات مشجعة والمواطنون تلقفوا المبادرة بحماسة وإن كان بعضهم لا يزال مشككاً وغير مصدق نظراً إلى تجارب سابقة لم ترق إلى مستوى طموحات اللبنانيين في نقل مشترك محترم وحضاري. يحق لهؤلاء التشكيك لا سيما أنهم لم يختبروا باصات النقل المشترك الجديدة بعد أو أن صورة “الفانات”، على أهمية الدور الذي لعبته، لا تزال في أذهانهم موسومة بوسم الفوضى والزعرنة وحتى التحرش ومخالفة قوانين السير. لكن الأمور تغيرت حقاً وتكفي جولة على متن أحد الباصات من نهر الموت إلى بيروت لاكتشاف الفرق.

شركة الأحدب للنقل والتجارة فازت بالمزايدة التي أطلقتها وزارة الأشغال لتشغيل 11 خطاً وفق دفتر شروط محدّد على أن تدفع للوزارة 10في المئة من العائدات في شراكة بين القطاعين الخاص والعام. عوني الأحدب، رئيس الشركة، يتحدث عن المشروع بثقة وحماسة وشغف قائلاً: “خاطرنا في زمن صعب واستثمرنا في مشروع عزيز على قلبنا يشكل قيمة مضافة للبلد وكلنا أمل بنجاحه. لا بند في دفتر الشروط يجبر الشركة على إجراء نفضة للباصات، لكن رغبة منها في تقديم أفضل صورة وأفضل خدمة، قامت بتوحيد لون الباصات جميعها وتحويلها إلى اللون الكحلي البحري ليتم التعرف إليها بسهولة كما قامت بالاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة لتفعيل أقصى درجات الأمان والرقابة في الباصات” .

عالمية المواصفات

كل باص مزود بعدة كاميرات، سواء الباصات الكبيرة التي قدمتها الدولة الفرنسية إلى لبنان ويبلغ عددها 49 أو باصات ميتسوبيشي المعروفة من اللبنانين والتي يبلغ عددها 44. كاميرا تعمل بالذكاء الإصطناعي مسلطة على السائق ومتصلة مباشرة بغرفة التحكم في أنفة لمراقبة التزامه بقوانين السير والشركة ومراقبة حالته الصحية وغيرها. وكاميرات أخرى عند مقدمة الباص ومؤخرته لمراقبة الطريق وفي داخله للتأكد من حال الركاب، مع كاميرا عند الباب لإحصاء عدد الداخلين والمغادرين منعاً لأية عمليات غش بالنسبة للتذاكر ومردودها وتسجيلاً لداتا حركة الركاب وكلها متصلة بغرفة التحكم، إضافة إلى نظام GPS لتتبع حركة الباص وإشارات تحذير عند حدوث أي مخالفة من السائق أو الركاب كالتدخين مثلاً.

لم يعد المواطن المنتظر للباص بحاجة لأن يلوح بيديه الاثنتين للسائق حتى يتوقف، أو مضطراً لتحمل “سآلة” الزمور الذي يلاحقه ويكاد يجبره على استقلال الباص بالقوة. فقد بدأت الشركة تحديد محطات توقف عبر أعمدة خاصة، وإن لم تصبح رسمية بعد مجهزة بمظلة أو حتى مقعد للانتظار. وهي تعمل مع البلديات والمحافظين وبالتعاون مع مهندس مختص على إنشاء محطات وقوف ثابتة يمكن للباصات التوقف عندها من دون عرقلة أو إزعاج للسير. ويمكن التعرف على هذه المحطات عبر صفحة الشركة على إنستغرام كما على الخطوط والمواعيد. فمن الساعة السادسة صباحاً إلى السابعة مساء يمر الباص كل 25 دقيقة تقريباً ويتوقف دقائق في المحطة حسب توجيهات غرفة العمليات.

لم تكن انطلاقة “جحش الدولة” سهلة وميسرة بل واجهتها صعوبات واعتداءات من قبل اصحاب الفانات والحافلات الذين وجدوا فيها تهديداً لمصلحتهم، وتعرض أكثر من باص للتكسير والرشق بالحجارة لكن القوى الأمنية كما وزارة الأشغال قدمت كل الدعم اللازم لإنجاح هذا المشروع كما يقول الأحدب.

هل نصدّق؟

صار يحق للمواطن أن يأمل بنقل مشترك عملي، منظم ولائق يخفف عنه أعباء الحياة اليومية بعد فوضى تسعيرة النقل التي سادت سابقاً. وتروي إحدى السيدات أن وصول ابنتها إلى الجامعة اللبنانية في الحدث كان يكلفها يومياً 500,000 ليرة لكن اليوم ومع اعتماد الباص انخفضت الكلفة إلى 200,000 والأهم أنها ما عادت “تعتل همها” من أي تحرش أو كلمات بذيئة أو من رعونة السائقين. التعرفة داخل بيروت 70,000 ليرة ومئة ألف إلى بعبدا و150,000 إلى طرابلس. ويمكن للراكب شراء بطاقة لمرة واحدة أو بطاقة يتم تشريجها واستعمالها بشكل دائم. حالياً يمكن لمن لم يستطع شراء بطاقة الدفع مباشرة إلى السائق الذي يزوده بـ “تيكيت” لاستخدام واحد يمررها على السكانر الموجود عند باب كل باص.

أفكار التطوير كثيرة وأبرزها إطلاق التطبيق الخاص بالنقل المشترك الذي سينقله إلى مستوى متقدم في التنظيم والعلاقة مع الركاب بحيث يستطيع الراكب عبرها معرفة كل تفاصيل المحطات والخطوط والمواعيد والعروضات وذلك باللغة العربية مع ترجمة إلى لغات أخرى. وثمة سعي لتقديم بطاقات ولاء وعروضات خاصة للطلاب ولذوي الإعاقة، على الرغم من أن القانون يقضي بان يحظى هؤلاء بنقل مجاني.

محطة “سكة التران”

في محطة سكة الحديد في مار مخايل عادت الحياة لتضج من جديد فهي المركز الرئيسي للباصات كون مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك المشرفة على المشروع وضعت في تصرفه كل الأملاك العائدة لها. في المحطة التقينا مدير المشروع وليد ريمة وجلنا على الباصات المتوقفة وورش التصليح وعلى السائقين وعرفنا أنهم كلهم لبنانيون وقد خضعوا جميعاً لدورات تدريبية لا سيما سائقي باصات Ivico الفرنسية الكبيرة وأن السائقين كما الركاب والباص يخضعون كلهم للتأمين .

مدير المشروع، وليد ريمة، يقوم بجولات تفقدية يومية على الباصات والخطوط ويشرح “أن ثمة 32 باصاً عاملاً على 6 خطوط، 5 منها حالياً داخل بيروت تشهد كلها إقبالاً كبيراً وصولاً إلى بعبدا والجامعة اللبنانية في الحدث وواحد نحو طرابلس وقد تمت دراسة الخطوط داخل بيروت لتغطي الشوارع الأساسية والنقاط الحيوية. و يترقب فتح 5 خطوط نحو خلدة وصور جنوباً ونحو شتورا شرقاً.

يتلقى المدير يومياً عدداً كبيراً جداً من التعليقات والملاحظات التي تدل على مدى اهتمام المواطنين بالنقل المشترك وإقبال الشباب والصبايا والموظفين والمسنين على اعتماد الباصات بأعداد متزايدة وصلت إلى 2000 راكب يومياً.