Site icon IMLebanon

فلسطين ولبنان وسوريا: حلم الدولة الوطنية ويقظة الفتن

كتب منير الربيع في “المدن”:

بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تأتي بعد ضغوط أميركية واضحة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يمكن الحديث عن مرحلة جديدة تدخلها منطقة الشرق الأوسط ودول المشرق العربي بالتحديد. وقع نتنياهو في مواجهة خيار أميركي موحد بين إدارتين مختلفتين، إدارة راحلة وفّرت له كل آليات وأساليب الدعم لخوض الحرب و”تغيير وجه المنطقة”، لكنها أصبحت تتمسك بمبدأ وقف الحرب قبل رحيلها. وإدارة مقبلة يريد رئيسها دونالد ترامب إنهاء الحرب في الشرق الأوسط قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ليطلق مساراً جديداً اختصره بعبارات إحياء مشروع السلام والاتفاقات الإبراهيمية. الحسابات الأميركية هي التي ألزمت نتنياهو بوقف الحرب، علماً أنه لم يكن مقتنعاً بها، ولم يستكمل تحقيق أهدافه، وهي تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، والانتقال للانقضاض على الضفة الغربية في حرب تهجيرية جديدة.

تدمير الدول
عندما يتحدث ترامب عن إعادة إحياء اتفاقات السلام الإبراهيمية، يعني ذلك ممارسة المزيد من الضغوط أو الاستضعاف للدول العربية، في سبيل جرّها إلى الاتفاق والتفاهم مع إسرائيل. وتلك معادلة استقامت على مدى السنوات الماضية منذ تكريس معادلة الصراع “العربي- الإيراني” أو العربي- العربي، والذي أدى إلى تراجع العداء لإسرائيل في سلّم الأولويات. طوال الحرب على فلسطين ولبنان وسوريا، استمر بنيامين نتنياهو في تصريحاته المركّزة على أن الهدف هو ضرب إيران وإضعافها وإنهاء حقبة نفوذها في المنطقة. وهو بذلك أراد اللعب على التناقضات العربية الإيرانية، ليبرز كمخلّص للمنطقة من النفوذ الإيراني.

أدت الحرب إلى متغيرات كبيرة على مستوى المنطقة، انعكست بشكل مباشر في تحولات سياسية كبرى سورياً ولبنانياً. ومن هنا يتكاثر الحديث عن طي مرحلة “قوة النفوذ الإيراني” لصالح تقوية مشروع آخر. علماً أن هذا المشروع الآخر لا يزال غير واضح المعالم المتصلة بهذه الدول ولا بجوارها. كان من نتاجات هذا المشروع تدمير دول وأنظمة ومؤسسات، وهي أصبحت بأمس الحاجة إلى مشاريع إعادة إعمار وإعادة ترتيب أولويات اجتماعية، اقتصادية، سياسية، قبل الوصول إلى مرحلة رسم التصور الواضح لأي مشروع سياسي يمكن إنتاجه. تأخُر ولادة المشروع والرؤية الواضحة لإعادة إنتاج المؤسسات أو بناء الدول، سيكون له مستفيد وحيد وهو إسرائيل، التي ستستثمر بالفوضى في كل هذه الساحات، وتتخذ من جماعات مختلفة “رهائن” لمشروعها، الذي يزدهر بإضعاف المجتمعات والدول، خصوصاً في ضوء إقبال هذه الدول على صراعات داخلية، سياسياً أو أمنياً وعسكرياً، بخلفيات طائفية أو مذهبية أو بتوجهات سياسية متناقضة.

مشروع الدولة الفلسطينية
فلسطينياً، فإن التحدي الأساسي لمواجهة إسرائيل هو بقاء الشعب الفلسطيني، وإطلاق مشروع إعادة الإعمار، لإعادة خلق وإنتاج كل مقومات الحياة. فمنع التهجير من القطاع لا بد له أن ينعكس على منعه في الضفة، ليكون ذلك منطلقاً جديداً لإعادة إطلاق مشروع الدولة الفلسطينية والحفاظ على الوجود والبقاء، والدخول في ورشة لإصدار إعلان دستوري وإنتاج سلطة جديدة تجمع كل مكونات الشعب الفلسطيني، مع تجاوز الصراعات والخلافات والتي جرى اللعب عليها طوال سنوات ما بين “السلطة الفلسطينية” التي تمثل الاعتدال، وحركة حماس التي تمثّل “الإسلام السياسي”. من هنا تبزر الحاجة إلى فرض وقائع سياسية جديدة لإعادة تشكيل السلطة، بدءاً من توفر مشروع واضح المعالم لإدارة قطاع غزة، والتكامل ما بين الضفة والقطاع.

سوريا ولبنان
سورياً، التحديات كبيرة. إسرائيل تراقب وتنتهز أي فرصة تتجاوز فيها مسألة الضربات العسكرية لكل المقدرات السورية، وتسعى من خلالها إلى الاستثمار بالصراعات العرقية أو القومية أو المذهبية. ولذا، لا تزال سوريا أمام تحديات كبيرة وقد تتفاقم في ظل تضارب الرؤى والاتجاهات، بينما الحاجة الفعلية هي للدخول في إعلان دستوري واضح، أو العودة إلى دستور سابق كدستور العام 1950، يتم العمل بموجبه، بانتظار طرح كل الأفكار والهواجس في حوار وطني عام وشامل وتفصيلي، تأسيساً لمؤتمر عام يصدر عنه إعلان دستوري جديد. كما تبرز الحاجة إلى إعادة تفعيل وتشكيل الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية، لضبط الوضع ووقف الكثير من التجاوزات التي يمكنها أن تؤدي إلى انفجار حرب أهلية، تأخذ أبعاداً متعددة ومتناقضة وتسمح لقوى خارجية كثيرة أن تدخل للاستثمار بها وتغذيتها.

أما لبنانياً، والذي دخل في ورشة سياسية منذ إنجاز عملية انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للحكومة، فهو بحاجة أيضاً إلى إعادة الاعتبار للعمل الدستوري، مع السعي إلى تشكيل حكومة جامعة لا تعمل على عزل أي طرف من المكونات، خصوصاً بعد مقاطعة الثنائي الشيعي للاستشارات النيابية، ولكن مع تمسكه بأن يتمثل في الحكومة. وهنا يجدر التنبه إلى محاولات جهات كثيرة للعمل على “عزل الثنائي” أو دفعه إلى المعارضة، علماً أن ذلك في ظل الظروف الحالية والتحولات الحاصلة في المنطقة، وخصوصاً في سوريا ولبنان، قد تؤدي إلى إذكاء نار الفتنة السنية- الشيعية مجدداً. وهو ما يعلم المعنيون مخاطره ويؤكدون أنهم يريدون تجنبه، خصوصاً أن أي صراع طائفي أو مذهبي سيحصل في سوريا أو لبنان بهذه المرحلة سينعكس على الدولة الأخرى، وهو لا بد له أن يمتد إلى دول أخرى في المنطقة.

بنتيجة التحولات التي شهدتها سوريا ولبنان، ومع وقف الحرب على غزة، برز حجم التدفق الدولي والعربي إلى هذه الساحات والمسارح، بعضها يرتبط بحسابات النفوذ والحفاظ عليه وتعزيزه، وبعضها الآخر يرتبط بحسابات التنافس وتثبيت الحضور. لكن من الواضح أن هناك نوعاً من الاحتضان الإقليمي والدولي لهذه التحولات. وهو ما يفرض إعادة إحياء أو إنتاج معادلة “التكامل الإقليمي” ما بين دول المنطقة، كما هو حاصل من تقارب بين دول خليجية مع تركيا ولا سيما حول الساحة السورية، وهو ما يفترض أن يحصل مثيله في لبنان، لا سيما أن إيران لم تكن بعيدة عن مفاوضات إقليمية أنضجت تسوية انتخاب رئيس الجمهورية.