كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
لم يولد ترشيح نوّاف سلام لتولّي رئاسة الحكومة بين ليلة وضحاها. ليس الرجل طارئاً على السياسة. يأتي من خلفيات سياسية وأكاديمية غنية ومن خبرة واسعة اكتسبها بمجهوده الشخصي، تجعله في مرتبة متقدمة بين أسماء كثيرة تولّت هذا الموقع. كل ذلك يؤهله لخوض التجربة وليشكل مع الرئيس جوزاف عون ثنائياً ناجحاً ومتناغما في الحكم وفي قيادة عملية استعادة لبنان من جهنم.
منذ بدأ التداول باسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية بدعم من محور الممانعة، بدأ الكلام عن اقتراح فرنسي بتسوية تقضي بأن يكون نوّاف سلام إلى جانبه رئيساً للحكومة. ولكن ترشيح سلام بقي مسألة مختلفة عن ترشيح فرنجية.
صحيح أنّه ابن بيت سياسي أيضاً كبيت فرنجية، ولكنّه لم يكن منغمساً في العمل السياسي المباشر رغم توليه منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة بين عامي 2007 و2017، قبل أن يصير قاضياً في محكمة العدل الدولية ثم رئيساً لها عام 2024. قبل العام 2018 لم يُطرح اسم نوّاف سلام لرئاسة الحكومة. بين العامين 1991 و2019 وصل رفيق الحريري وعمر كرامي وسليم الحص ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام. لم يكن المجال مفتوحاً لأسماء من خارج هذه اللائحة.
مرشح ثورة 17 تشرين
بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019 فُتحت الأبواب أمام تسميات جديدة. شكّلت استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول صدمة في ما خصّ التمثيل السني في رئاسة الحكومة. بعد انتخابات 2018 النيابية كان لدى محور الممانعة أكثرية نيابية يمكنها أن تسمّي أيا كان رئيساً للحكومة في ظلّ وجود رئيس جمهورية من الخط نفسه هو العماد ميشال عون. ولكن بعد البحث عن اسم غير سعد الحريري بدأ الهمس باسم نوّاف سلام. تعطلت الاستشارات النيابية حتى 19 كانون الأول، عندما اتفق محور “حزب الله” وعون على تسمية حسّان دياب. 69 نائباً سمّوا دياب و14 سمّوا نوّاف سلام.
كان طرح اسم نوّاف سلام في ذلك التوقيت ينطلق من قاعدة البحث عن رئيس للحكومة يمثل تطلعات ثورة 17 تشرين، وكان المطلوب حكومة للخروج من الأزمة، بينما كان خط الممانعة يبحث عن رئيس للحكومة يكمل الطريق ويقضي على الثورة ومفاعيلها.
قُضيَ على حكومة حسان دياب بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. استقال دياب بعد ستة أيام. مع خروج الحريري من السباق الحكومي ومع بقائه في موقع الشريك الأول في الاختيار، جرت الاستشارات النيابية في 31 آب وسمى 90 نائباً السفير مصطفى أديب بينما سمى 15 نائباً السفير نوّاف سلام هم 14 نائباً من “القوات اللبنانية” والنائب فؤاد مخزومي. الاتفاق على أديب كان بوساطة فرنسية أمّنت له هذا العدد من الأصوات. ولكن أديب سرعان ما اعتذر بعدما لمس أنّه مجرد رئيس للحكومة بينما يختار له محور الممانعة أسماء الوزراء.
الحريري يعتذر وميقاتي ينتظر
بعد اعتذار أديب، بدأ التداول بأسماء سقطت تباعاً. وبقيت الأزمة حتى إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري في 22 تشرين الأول 2020. 65 نائباً سمّوه بينما امتنع 53 عن التسمية ولم يطرح اسم نوّاف سلام في المواجهة مع الحريري. بعد اعتذار الحريري عن التأليف في 15 تموز 2021 اختار “حزب الله” نجيب ميقاتي فسمّاه في 26 تموز 72 نائباً بينما نال نواف سلام صوتاً واحداً هو صوت فؤاد مخزومي. كانت هذه الحكومة الثالثة التي يرأسها ميقاتي، صدر مرسوم تشكيلها في 10 أيلول 2021، وضمت 24 وزيراً. بعد انتخابات 15 أيار 2022 اعتُبرت الحكومة مستقيلة. بعد الاستشارات سمّى 54 نائباً في 24 حزيران ميقاتي وسمّى 25 نوّاف سلام و47 لم يسمّوا أحداً. لم يشكِّل ميقاتي حكومة جديدة فاستمرّت الحكومة المستقيلة بتصريف الأعمال وبقيت تصرّفها بعد انتهاء ولاية عون.
إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي قبل انتخابات أيار 2022 فَتح الباب أمام البحث عن أسماء سنية لترؤس الحكومة ولذلك بقي اسم نوّاف سلام مطروحاً. ولكن من دون أن يحظى بأفضلية المرور. كان عهد عون يعتمد على ثنائية حكم تتشكّل منه ومن الحريري ولكنّ هذه الثنائية سقطت بعد ثورة 17 تشرين وبعد اعتذار الحريري ثم بعد اعتكافه.
ثنائيات وتجارب فاشلة
التجربة ليست جديدة. الرئيس رفيق الحريري كان وصوله إلى رئاسة الحكومة عام 1992 ليشكل ثنائية مماثلة مع الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود، ولكنّها تجربة انتهت إلى اغتياله في 14 شباط 2005. التسوية جُرِّبت أيضاً بعد تفاهم الدوحة بعد أحداث 7 أيار 2008. كانت تلك التسوية تنصّ على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة يحصل فيها محور الممانعة على الثلث المعطل. ولكنّها لم تنجح. أتى الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة الأولى في عهد سليمان وبعد انتخابات العام 2009 ألّف الرئيس سعد الحريري الحكومة وحصل فيها محور “حزب الله” على الثلث المعطل. ولكن حصل الانقلاب على اتفاق الدوحة وعلى سعد الحريري في كانون الثاني 2011 ليسمّي محور “حزب الله” الرئيس نجيب ميقاتي ويشكّل حكومة من لون واحد. وصلت هذه الحكومة في النتيجة إلى حائط مسدود اضطرّ معه ميقاتي إلى الاستقالة ليُتَّفَق بعده على تسمية الرئيس تمام سلام.
اعتصام بالصمت
بعد طرح اسمه مع اسم فرنجية اعتصم نواف سلام بالصمت. اكتفي بإصدار بيانات مقتضبة كبيان شكر من سمّوه مرة، وبيان نفي لقائه جبران باسيل، ونفي اتصاله بالسفير السعودي وليد البخاري. “حزب الله” اعتصم بالصمت أيضاً تجاه تسمية سلام.
في الحديث معه، لم يكن سلام راغباً في أن يعلن أنه يريد دخول المواجهة والسباق وفي الوقت نفسه رفض أن ينفي كل ما يقال عن هذه التسوية. لم يرد أن ينفيها ولا أن يؤكدها. حجته كانت أنه طالما ليس هو من يعلن هذا الأمر فلماذا عليه أن ينفيه وهو ليس مضطراً لذلك. كان يزعجه أن تُطرح مسألة رئاسته للحكومة بهذا الشكل، وربما في الوقت نفسه كان يجد أن طرح اسمه لا ينتقص من كرامته ومن موقعه. لذلك بقي محافظاً على هذا الموقع في المحكمة الدولية وحوّله إلى نقطة قوة في معركته التي ستأتي وهو مدرك أنه عندما تحين ساعته لن يقف في وجهها أي فيتو.
قبل أن يعود إلى لبنان مع اقتراب موعد جلسة انتخاب الرئيس الخميس 9 كانون الثاني الحالي كانت أسهم الوزير السابق جهاد أزعور لا تزال متقدمة.
ولكن إرادة النواب اتجهت إلى العماد جوزاف عون الذي عيَّن موعداً سريعاً للإستشارات النيابية يوم الإثنين. كانت أسهم تسمية ميقاتي مرتفعة. ليل الأحد الإثنين غادر سلام عائداً إلى مركز عمله. لكن بوصلة التسمية اتجهت نحوه فجأة. كانت أسهم ميقاتي مرتبطة بما حكي عن تسوية عقدها الثنائي الشيعي مع العماد جوزاف عون بين دورتي الإنتخاب الأولى والثانية تتعلق بتسمية ميقاتي وبتطبيق القرار 1701 جنوب الليطاني فقط، وبأن تكون لهما وزارة المالية. ولكن ظهر لاحقاً أنه لم يكن هناك أي تفاهم وأي التزام من هذا النوع. مؤشر هذا السقوط ظهر في خطاب القسم الذي أكد فيه الرئيس بسط سلطة الدولة والجيش اللبناني وحده على كامل الأراضي اللبنانية وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته.
ثنائية الحكم أقوى من أي ثنائي
كانت حسابات المعارضة أنها ستخسر بسبب تعدد المرشحين فؤاد مخزومي ونوّاف سلام وابراهيم منيمنة. حسابات سريعة أدّت إلى الإجماع على تسمية سلام. هكذا عبر الاسم بين النوّاب. 74 سمّوا سلام. 9 سمّوا ميقاتي. امتنع الثنائي عن التسمية. كانت نكسة ثانية بعد نكسة انتخاب الرئيس.
انتخب الثنائي المرشح الخصم لرئاسة الجمهورية. ولم يستطع أن يبلع تسمية المرشح الخصم لرئاسة الحكومة. عندما كان اسم نوّاف سلام يُطرح كان على قاعدة ثنائية توازن بين رئيس جمهورية من خط الممانعة ورئيس حكومة غير محسوب على هذا الخط. وصل نوّاف سلام إلى رئاسة الحكومة مع رئيس من خارج خط الممانعة وبعد سقوط هذا المحور. مقاطعة الاستشارات تُصعِّب عملية تشكيل الحكومة لكنّها لا تحول دونها. يمتلك رئيس الحكومة الجديد قوة الموقع والماضي والتاريخ التي تتيح له أن يشكل مع الرئيس جوزاف عون قوة دفع للجمهورية وثنائياً في الحكم لا يمكن أن ينجح أي ثنائي آخر في مواجهته.