Site icon IMLebanon

“الثنائي” أمام مراجعة ذاتية للخيارات بعد تبدل التحالفات

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

تستمر الاتصالات لتظهير التشكيلة الحكومية في أقرب وقت من خلال الإفادة من زخم العهد الجديد والتأييد الشعبي لانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسمية القاضي نواف سلام رئيساً مكلفاً. وإذا كان الثنائي الشيعي اضطر في الدورة الثانية للانضمام إلى التوافق اللبناني الواسع وانتخاب جوزف عون، فإنه امتنع عن تسمية نواف سلام رئيساً للحكومة وقاطع الاستشارات النيابية في مجلس النواب لتوجيه رسالة اعتراض على ما سمّاه «الانقلاب على التفاهمات» التي كانت تقضي في أحد بنودها بعودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الرئاسة الثالثة.

وبات معلوماً أن التفاهمات التي يتحدث عنها الثنائي الشيعي من دون أن يُعرَف مع مَن وعده بها، تتمحور حول تركيبة الحكومة والوزارات التي ستُسنَد له وفي طليعتها وزارة المال للاحتفاظ بالتوقيع الثالث على المراسيم، إضافة إلى مضمون البيان الوزاري وحصر تطبيق القرار 1701 بجنوب نهر الليطاني ورفع الحظر في ملف إعادة الإعمار على وصول المال من ايران أو من غيرها وتوزيعها مباشرة من خلال مجلس الجنوب وصولاً إلى أخذ ضمانات حول التعيينات في إدارات الدولة والأجهزة الأمنية والقضائية.

وفيما يرفض الثنائي التعاطي مع الطائفة الشيعية على أنها «مأزومة أو مهزومة»، فإن قوى المعارضة تستغرب مثل هذا الكلام، وترى فيه محاولة للتحريض والتعبئة. وتؤكد أن لا أحد يتعاطى باستضعاف مع الشيعة حتى أن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أكدا عدم وجود أي رغبة بإقصاء أو استبعاد، ولاسيما أن كل الطوائف في لبنان مرّت بتجارب قاسية وأدركت معنى الاقصاء بدءاً من المسيحيين الذين نُفيت وسُجنت قياداتهم مطلع التسعينات وجرت الانتخابات النيابية عام 1992 في ظل مقاطعة مسيحية ترشحاً واقتراعاً بلغت 93 في المئة حيث فاز نواب بـ 48 صوتاً فقط في منطقة جبيل.

وتؤكد المعارضة احترامها لما ورد في الدستور لناحية الميثاقية التي هي في الأساس بين المسيحيين والمسلمين وليست بين المذاهب، لكنها ترى أن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي تحدث عن الميثاقية من على منبر قصر بعبدا يستخدم هذه الميثاقية غب الطلب للاستحصال على المكاسب السياسية من جانب العهد والرئيس المكلف بعدما شعر أن «حزب الله» فقد القدرة على فرض الشروط كما درجت العادة. وتوجّهت المعارضة في أكثر من مناسبة إلى النائب رعد بالسؤال «أين كانت الميثاقية عام 1992 عندما قاطع المسيحيون والبطريركية المارونية الانتخابات؟ وأين كانت الميثاقية عندما طالب السنّة والدروز والمسيحيون بخروج جيش النظام السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري فيما نظّم «حزب الله» تظاهرة في ساحة رياض الصلح ورفع أمينه العام شعار «شكراً سوريا»؟ وأين كانت الميثاقية عام 2006 وعام 2024 عندما فتح «حزب الله» حرباً في جنوب لبنان دمّرت القرى وأنهكت الاقتصاد اللبناني؟ وأين كانت الميثاقية عند الانقلاب على حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري وعند تعطيل التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت؟ وأين كانت الميثاقية عندما غطّى «حزب الله» لا ميثاقية حكومة ميقاتي الأخيرة في ظل مقاطعة وزراء «التيار الوطني الحر» وعدم مشاركة «القوات اللبنانية»؟

أما الخبراء في الدستور فيؤكدون «أن موضوع الميثاقية يُطرَح لدى تأليف الحكومة في حال تغييب طائفة عن التمثيل العادل ولكن لا يمكن التذرع بالميثاقية للتعطيل أو العودة إلى التجربة التي حصلت مع الرئيس أمين الحافظ لدى مثول حكومته لنيل الثقة في المجلس النيابي عام 1973 في غياب النواب السنّة ما أدى إلى سقوطها، لأن المعني بالمقاطعة حينها كان رئيس الحكومة السنّي خلافاً لما هو الواقع الحالي مع النواب الشيعة الذي لا يجرّد رئيس الوزراء المكلف من ميثاقية التكليف ولا من دستوريته».

ومع التفهم لهواجس الطائفة الشيعية والرغبة في مشاركتها في الحكومة العتيدة، إلا أن المعارضة والكتل التي سمّت نواف سلام تعتبر أن الثنائي صحيح أنه يمثل الأكثرية في الطائفة الشيعية إلا أنه لا يختزل كل الطائفة ولا يمكنه تعطيل عملية بناء الدولة الواعد. فإما أن يقبل الثنائي بالمعايير وبشروط الدولة وتأليف الحكومة، وإما أن ينتقل إلى المعارضة علماً أن التوجه هو لمراعاة الثنائي والإبقاء على التوزع الطائفي الحالي للحقائب الأربع الأساسية وهي المال للشيعة والداخلية للسنّة والخارجية للموارنة والدفاع للروم الأورثوذكس.

تزامناً، يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اختلى بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر بعبدا عدم كسر الجرة آخذاً بعين الاعتبار أن «لبنان بدو يمشي»، وأن الرئيسين عون وسلام حريصان على عدم الإقصاء بتاتاً وعلى عدم التعطيل والفشل. لذلك فإن الثنائي أو على الأقل الرئيس بري لا يريد تحمل مسؤولية أي انتكاسة في بداية عهد جديد، مدركاً التغيّرات التي طرأت على المشهد اللبناني ورفض غالبية اللبنانيين بقاء لبنان ساحة للفوضى وأهمية الإفادة من فرصة الزخم الدولي والاستعداد لدعم لبنان في عملية إعادة إعمار القرى والبلدات المهدمة في الجنوب والبقاع والضاحية.

وعلى هذا الأساس، سيكون أمام الثنائي إجراء مراجعة ذاتية لخياراته وتفهم طبيعة المرحلة الجديدة، والادراك أن منطق الاستقواء الذي كان سائداً في الفترة الماضية وتعطيل الاستحقاقات الرئاسية والحكومية لم يعد قائماً في الوقت الراهن في ظل تبدل موازين القوى وخريطة التحالفات في مجلس النواب.