كتب غاصب المختار في “اللواء”:
من تسوية انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون الى تسوية تكليف الدكتور نواف سلام رئيسا للحكومة، مرورا بالتسوية العربية الدولية لإسقاط النظام السوري، وصولاً الى تسوية وقف إطلاق النار في غزة وبدء عملية تبادل الأسرى والمعتقلين، بدأت اتجاهات المشهد الإقليمي المطلوب تصبح أكثر وضوحاً مع تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه الدستورية اليوم بصورة رسمية، وهو الذي أراد دخول الحكم مع «صفر مشاكل» قدر المستطاع في الشرق الأوسط وعمِل على تحقيق ذلك منذ انتخابه ليواكب كلام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رسم خريطة جديدة جيو-سياسية للشرق الأوسط.
قبل شهرين كانت تسوية اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الذي لم تلتزم به إسرائيل، وخرقته مئات المرات على مرأى ومسمع العالم والدول الراعية للاتفاق ولجنة الإشراف الأميركية – الفرنسية – الدولية على تنفيذه. وكل ذلك من ضمن ما تراه الدول المعنية وإسرائيل ضرورة لترتيب أوضاع المنطقة بما يناسب مصالحها.
أما وقد تم حل أزمة الشغور الرئاسي في لبنان وبدأت إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة بعد تكليف نواف سلام، بدأ تسريب المعلومات عن قُرب تشكيل الحكومة وربما الأسبوع المقبل كما قالت مصادر نيابية لـ «اللواء»، التي أضافت: ان دعم الكتل النيابية للحكومة الجديدة مرهون بأمور كثيرة، أولها اختيار وزراء اختصاصيين غير حزبيين، والتزامها بنود الإصلاح على كل المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والمالية والاجتماعية – المعيشية وإعادة أموال المودعين، والتي وردت في خطاب القسم للرئيس عون وبيان التكليف للرئيس سلام، وذلك بهدف تشجيع عودة الاستثمارات الى لبنان، ومتابعة وقف إطلاق النار في الجنوب ووقف الخروقات الإسرائيلية بشكل نهائي، وتأمين الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القرى التي دخلتها ومن ثم وضع خطة عملية لإعادة الاعمار، وصولا الى ترتيب العلاقة مع سوريا وتنظيم عودة النازحين الى بلادهم.
وبغض النظر عن شكل الحكومة وتركيبتها والتي ستحكمها التسويات كالعادة، فإن المصادر النيابية تؤكد التوجه للتعاون مع الحكومة وتسهيل أمورها لا سيما مع انطلاقة بداية العهد في حكومته الأولى التي يراهن عليها الكثيرون داخلياً وخارجياً، لكن هذه الشروط حسب المصادر النيابية ستحكم العلاقة بين الحكومة وبين الكتل النيابية – لا سيما منها التي تحمل لواء الإصلاح والتغيير- وقد يخرج من يعترض أو يرفض بعض الاجراءات الحكومية أو تقصيرها في تنفيذ ما وعدت به، أو يُحاسبها في جلسات المساءلة لاحقاً.
وتبقى عين ثنائي أمل وحزب لله مسلّطة بدقّة على إجراءات تشكيل الحكومة ومن ثم في الممارسة بعد تشكيلها، لا سيما حول تنفيذ التعهدات التي قدّمها لهما رئيسا الجمهورية والحكومة المكلّف وبشكل خاص حول المشاركة الفعلية والكاملة في الحكم، وترتيبات وضع الجنوب وتثبيت الحدود وإنهاء الاحتلال. وثمة كتل أخرى أكدت مصادرها لـ «اللواء» انها برغم التسهيل المبدئي ستتابع عن كثب تنفيذ التعهدات الإصلاحية الشاملة وستلاحق الحكومة حتى تحقيق ولو جزء أساسي وبسيط مها، ليكون الخطوة الأولى التي توحي بالثقة للمجلس النيابي بما يؤدي الى مزيد من دعم الحكومة، وللدول المانحة بما يؤدي الى تسريع دعمها ومساعداتها الموعودة واستثماراتها المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد.
لكن في عودٍ على بدء، يبقى الموضوع الأهم الذي يمكن أن يؤدي الى استقرار مستدام في لبنان، طريقة تعامل الدول مع الوضع اللبناني لا سيما الجنوبي منه، في ظل الانقلابات والمتغيّرات الجذرية التي حصلت في المنطقة، والتي سيكون لها توابع في مصير علاقات دول الغرب وبخاصة الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران واليمن وحلفائها الآخرين، وكيفية معالجة القضية الفلسطينية بعد وقف الحرب. وكل هذا ينعكس على لبنان إيجاباً أو سلباً بحسب ما يمكن ان تفرضه الدول المشتغلة بوضع المنطقة. فإما استقرار مستدام أو طويل إذا نال لبنان حقوقه في أرضه ومياهه وبحره، وإما تبقى النار تحت رماد الخديعة وعدم الإلتزام بإستعادة الحقوق الوطنية اللبنانية، ما يعني إمكانية عودة التوتر وإهتزاز المنطقة انطلاقاً من لبنان أو محيطه الإقليمي.
لذلك الرهان حالياً على أولويات الرئيس الأميركي ترامب وجدّيته في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط عبر تسويات تكفل الحقوق والعدالة لشعوبه بما يؤمّن الاستقرار للبنان ودول المشرق العربي، ولعلّ مفتاح استقرار لبنان الأساسي هو استقرار سوريا وحل القضية الفلسطينية بما يُرضي شعب فلسطين لا إسرائيل فقط، ويبدوان هذا الأمر ليس أولوية الآن حسبما ظهر من مسار الوضع السوري والفلسطيني طويل الأمد.