كتب عادل مشموشي في اللواء:
من حق القوى التَّغييريَّة أن تُعبِّرَ عن سرورها تجاه ما انتهى إليه الإستحقاقان الدُّستوريان أي الانتخاباتُ الرئاسيَّةُ وتسميَةُ رئيسٍ مُكلَّفٍ لتَشكيلِ الحُكومة، وإن كان دورُها جاء مَحدوداً إلَّا أنها أحسنت استِغلالَ الظُّروفِ المُستجدَّة على أثر التَّحوّلاتِ الجيوسياسيَّةِ التي شهدتها منطقةُ الشرق الأوسط بنتيجة الحرب التي شنَّها العدو الإسرائيلي على مِحور المُمانعة/ المقاومة، وإسقاط نظام البعث في سوريا، والمواكبةِ الدَّوليَّةِ والعربيَّةِ الضَّاغطة، فجاءت مُساهمتُها مفصليَّةٌ في وصول شَخصيَّتين وطنيتين مشهودٌ لهما بالكفاءة والمَناقبيَّة، ومن خارجِ بوتقَةِ الطَّبقةِ السياسية التي أوصلت الدَّولةَ إلى وضعٍ مأزومٍ.
وعلى الرَّغم من أن هذان التَّحوّلان الجذريَّان الهامان قد ولَّدا بصيص أمل لدى المواطنين الصَّالِحين بتوفُّرِ فرصةٍ حقيقيَّةٍ لبناء دولة القانون والمؤسَّسات، إلَّا أن الحُكومَةَ المُزمع تشكيلها محكومةٌ بقيودِ زمنيَّةٍ وأخرى ماليَّة، قد تحول دون تحقيق الآمال المرجوة منها، ولن يكون بمُستطاعها تبنّي حُلولٍ سحريَّةٍ للأزماتِ الحالَّة بنا، وإن كانت ستُعيرُ أهميَّةً خاصَّةً للأزمةِ المَعيشيَّة، ولإعادَةِ ترميم ما دمَّره انفجارُ المرفأ والحرب مع إسرائيل؛ ولكن في المُقابل ينبغي أن تُعيرَ أهميَّةً قصوى لتَحقيقِ العدالَةِ تِجاه المُرتكبين والمُقصّرين الذين تسبَّبوا بالانهيار المالي وتبذيرِ المال العام الخ… وعليه نناشدُ فخامةَ الرئيس ودولة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بضرورةِ اعتمادِ مَعايير مُتجرِّدة في تسميةِ الوزراء، تقومُ على الكفاءَةِ والإختِصاص وبما يراعي أولويَّاتِ التَّحدياتِ الراهنَةِ وما قد تَحمِلُه المُستجداتُ المُرتقبَة.
لا شكَّ في أن التَّحدياتِ التي ستواجه الحكومة العتيدة مُتنوِّعةٌ وتنطوي على مَخاطِر مَصيريَّة أمنيَّة واقتصاديَّة وماليَّة، توجبُ تبنّي رؤيةٍ وطنيَّة واضحة وشاملةٍ تتمحورُ حول التَّحديات الرئيسيَّة التي تواجهُها الدَّولةُ لإرساء الإستِقرارِ السياسي والأمني، والتَّمهيدِ لتَحقيقِ التَّنميَةِ المُستدامَة، على أن تُراعى الأمورُ التَّالية عند تسميَةِ الوزراء.
أولاً: تعزيزُ الوحدة والتَّضامن الدَّاخلي، باختيار وزراء منسجمين في ما بينهم وقادرين على ضمان الاستقرار السياسي من خلال مُعالجة حالة الانقسام السياسي والتَّخفيف من وطأته على الأداء السياسي والحد من التَّوترات بين مُختلف المُكونات الشَّعبيَّة، وتجنُّب الخِطابات والمَواقفِ الانفعاليَّةِ الحادَّة، وتفادي المُقاربات العُنفيَّةِ وأيةِ تحرُّكاتٍ تُضرُّ بالسلم الأهلي، والاحتكامِ إلى نتائجِ المُقارباتِ الديمقراطيَّة، وضمان المُشاركَةِ الفاعِلةِ في الحياة السياسيَّة وصونِ حريَّتي التَّعبير وإبداء الرأي بعيداً عن التعابيرِ التَّنفيريَّة، وتعزيز ثقة المواطنين بالدَّولة.
ثانياً: تعزيز الشَّفافيةِ والحوكَمة: باختيار وزراء قادرين على بناءِ تحالفاتٍ متينةٍ مع قوى المُجتمع المدني بما في ذلك النَّقابات والمنظمات التَّطوعيَّة والإستعانة بأكاديميين لتقييمِ أداء مُختلف المؤسَّسات الدستوريَّة والرضى الشَّعبي عنها، وتسليطُ الضَّوء على مواضع الضَّعف والإخفاقات، والتَّأكيد على تبني قانونيَّة فاعلَةٍ في مساءلة المُخلين عند الحاجة، والامتناعِ عن التَّوظيف العَشوائي، وتعزيز أجهزة الرقابة.
ثالثاً: تحصينُ لبنان من التَّدخلات الخارجيَّة، باختيار شخصٍ لتولي حقيبة وزارة الخارجيَّةِ قادرٍ على المُوازنةِ ما بين الحفاظ على السِّيادةِ الوطنيَّةِ والانفتاحِ على الخارج وبناء شراكات مُتوازنةٍ مع الدُّول الصَّديقة والشَّقيقة، وتعزيزِ دور لبنان على السَّاحتين الدَّوليَّةِ والإقليميَّةِ وبخاصَّةٍ في إطار جامعةِ الدُّول العربيَّة، وتبنّي سياسة خارجيَّةٍ منفتحة من دون المساس بالسيادة الوطنيَّة، وتجنُّب الدُّخول في محاور دوليَّة أو إقليميَّة لضمان حياد لبنان وإبعادِه عن كُل ما قد يضع السُلطاتِ اللبنانيَّةِ تحت ضغوطٍ أو إملاءات أو التَّسبُب بما يضرُ بعلاقَتهِ ببيئتِه العربيَّة.
رابعاً: الإصلاح المؤسَّساتي: باختيار الوزراء من أشخاصٍ قادرين على تبنّي إصلاحاتٍ جذريَّةٍ وأساسيَّةِ قابلة للتَّحقيق خلال المدة المُتاحة للحكومة، مع تبني الشَّفافيَة وإطلاع المواطنين على الخطوات والإجراءات المُتَّخذة بوضوح وإبراز المعوقات التي تعيق التَّنفيذ، وما يمنع تبنّي حلول عملية وسريعة، استغلال الدَّعم الدَّولي وتوظيف المُساعدات الماليَّةِ والتِّقنيَّةِ لتعزيزِ فُرصِ النُّهوضِ والمُضي قدماً بالإصلاحات، كذلك بالتَّخلي عن الآلياتِ البيروقراطيَّة في عمل إدارات الدَّولةِ والتي تحدُّ من إنتاجيَّة القطاع العام وتعيق إنجاز المُعاملات تقديم الخدمات وتنفيذ الأشغال خلال فترات زمنيَّة قياسيَّة أو مقبولة.
خامساً: مكافحة الفساد: باختيار الوزراء من أشخاصٍ يؤمنون بأهميَّةِ التَّصدي للفساد المُستشري في الدَّولة وتفكيك شبكاته وملاحقةِ الفاسدين باعتبارهم المُعوق الأساسي أمام الجُهود الإصلاحيَّة، وقادرين على تَحفيزِ الدَّعم الشَّعبي للمُشاركةِ في كشفِ الفسادِ والمُفسدين.
سادِساً: إعادة بناء الثقةِ بالدَّولةِ ومؤسَّساتها: باختيار الوزراء من أشخاص يتحلّون بقدرةٍ على إحداث تغييرات ملموسة في مختلف المجالات، يعملون على تطوير القِطاع العام ورفعِ مستوى أداء العاملين فيه، وتحسين جودة الخدمات التي يقدِّمونها، كما بإيلاء الجهد الكافي للأمور المُلحَّة والتي تنطوي على تأثير سريع، توفير الخدمات الأساسيَّة بأسعار مقبولة وغير مرهقة للمواطنين، وضمان الشفافيةِ والحوكمة، والحرص على إطلاع المواطنين عبرَ وسائل الإعلام ووسائط التَّواصل الإجتماعي على المُستجدات والتَّوجهات العامَّة للحُكومة والخطوات المُعتمدة من قِبلِها في مَعرضِ التَّصدي للتَّحدِّيات، وسياساتِ الحوكمةِ التي تتَّبِعُها في إدارةِ الشَّأن العام وتلبية احتياجات المواطنين.
سابعاً: إرساء مُرتكزات التَّنميَة المُستدامَة، باختيار وزراء مُضطَّلعين بشؤون التَّنميَة، وممن لديهم خبرةِ في وضعِ وإعدادِ خُطط متوسِّطة وبعيدة الأمد للمرافق الحيويَّة كالنقل والكهرباء والمياه والهاتف وشبكة الإنترنت؛ والمدركين لأهميَّةِ اعتماد مُخططات تنمويَّةٍ طويلةٍ ومتوسِّطةِ الأمد في تطويرها وتحديثها، بالتَّزامنِ مع تبني حلول سريعة للتَّخفيفِ من وطأة الأزمات الحاليَّة، والمتحمسين لتحسين مُستوى جودَةِ الخدماتِ التي تقدِّمها مختلف تلك القطاعات واستغلال الطاقات المُتجدِّدة، والمقتنعين بأهميَّةِ تبنّي اللامركزيَّةِ الإداريَّة كإطار لتحقيق التنميَة المُتوازنة.
ثامناً: تحقيق العدالة وإصلاح القضاء: باختيار شَخصٍ لتولي وزارة العدل يؤمنُ بأهميَّةِ استقلاليَّةِ الجهاز القضائي وقادرٍ على إرساء مقومات العَدالة وحجبِ التَّدخلاتِ السِّياسيَّةِ عن القضاء، ومدركٌ لمواضعِ الخلل التي تعتري الجسم القضائي، والعملِ على معالجةِ النَّقصِ الحاد في عددِ القُضاة ورفع مستوى الإنتاجيَّة لديهم، وتعزيز الشَفافيَة وتفعيل المُساءلةِ المسلكيَّة بتبنّي آليَّاتٍ رَقابَيَّةٍ فاعلَةٍ في مُساءلَةِ المُخلّين منهم ومُلاحقتهم مسلكيًّا وعدليًّا، وتبنّي معايير مُتجرِّدةٍ في تسميةِ القُضاةِ ومُناقلاتهِم على المراكزِ القضائيَّةِ المتوافقةِ مع اختِصاص كل منهم.
تاسعاً: التَّصدي للمَخاطرِ الخارجيَّةِ العسكريَّةِ والإستخباراتيَّة، باختيار شخصٍ لتولي مهام وزارة الدِّفاع ممن يتمتَّعون بخبراتٍ عسكريَّةٍ عاليَةٍ وقادرٍ على تعزيزِ قُدراتِ الجيش اللبنانية من حيث العديدِ والعِتاد ونوعيَّةِ التَّسليح والتَّدريب العالي المستوى، والتَّناغمِ مع تطلّعات قيادةِ الجيش، وتوفير الدَّعم الكاملِ لها على نحوٍّ يكرِّسُ انتشاره على كامل الأراضي اللبنانيَّة، وتوليه حَصريًّا مسؤوليَّةَ صون الدَّولةِ وضمانِ مَصالِحِها القوميَّة.
عاشراً: إرساءُ الاستقرار الأمني، باختيار شخصٍ ذو خلفيَّةٍ أمنيَّةٍ قانونيَّة لتولي مهام وزارة الدَّاخليَّةِ قادرٍ على تعزيز قُدراتِ الأجهزةِ الأمنيَّة، ورفع مستوى التَّنسيقِ في ما بينها، وتعزيزها من حيث العديد والعتاد والتَّسليح والتَّجهيز وتزويدها بكافَّة الوسائل المخبريَّة والتِّقنيَّة والبرمجياتِ التي تجعلها قادرةً على فرضِ سيطرتِها على كاملِ الأراضي اللبنانيَّة بما في ذلك المخيمات الفلسطينيَّة، وضبط السِّلاح المُتفلِّت، ومنع زراعَةِ المُخدِّراتِ والاتجار بها، ومكافحةِ مختلفِ الظَّواهر الإجراميَّة، وملاحَقَةِ الخارِجين على القانون، ويحسنُ تنظيمَ الانتِخاباتِ التَّشريعيَّةِ والبلديَّة.
حادي عشر: مُعالجَةُ وتعزيز الأوضاع الاقتصاديَّة والماليَّة، باختيارِ أشخاصٍ لتولي مهام وزارات الماليَّة والصناعة والتجارة والزراعة والطَّاقة قادرين على تبنّي إصلاحاتٍ اقتصاديَّةٍ وماليَّة ومصرفيَّة ونقديَّة واعدة وتبنّي استراتيجيَّاتٍ تركِّزُ على زيادة الإيرادات وتنويع مصادرها، وتكامُلِ النَّشاطاتِ الاقتصاديَّة، ودعم الاستثمار، وترشيدِ استِغلالِ الثَّرواتِ الطَّبيعيَّة وتقليل الاعتماد على القروضِ والتَّشجيع على استخدام الطاقة المُتجدِّدة، وتوفير البيئة الملائمة لنمو القطاع الخاص، وتخفيف الأعباء الضَريبيَّة على المواطنين، والحد من مستوى التَّضخم، وتوفير فرص العمل ومكافحة البَّطالة، وتعزيز قيمة العملة الوطنيَّة. والتَّصدي للأزمة الماليَّة بمعالجةِ مسألة الدُّيون المُستحقَّة، ووضع آليَّة مقبولة لسدادِها، وإعادةِ إحياء القِطاع المَصرفي، وضمانِ الودائعِ المَصرفيَّة، تمهيدًا لاستعادة ثقة المُستثمرين الأجانب واللبنانيين في هذا القطاع.
ثاني عشر: تحقيقُ العدالة الاجتماعية: باختيار شخصٍ لتولّي وزارة الشؤون الاجتماعيَّة قادرٍ على تحسينِ جودة الخَدماتِ الاجتماعيَّةِ الأساسيَّةِ التي توفِّرُها الدَّولة للمواطنين، كالخدمات الصحيَّة والتعليميَّة والإسكان، والعمل على تقليص الفَجوة بين كافَّةِ الطَّبقات الاجتماعيَّة، وتوفيرِ الرعايَةِ الكافيةِ لذوي الاحتياجاتِ الخاصَّة.
وأخيراً على الحكومة العتيدةِ العمل على إرساء مرتكزات الإصلاح السياسي بدءاً بإعداد قانون عَصري للانتخابات النِّيابيَّة والبلديَّة يحقِّقُ أفضلَ تمثيل لمُختلفِ المُكوناتِ الشَّعبيَّةِ الوطنيَّة، كما العمل على إرساء المُقوماتِ اللازمَةِ للسَّيرِ قُدماً باللامركزيَّة الإداريَّة.