IMLebanon

ما معنى حكومة في لبنان؟

كتب أنطوان مسرّه في نداء الوطن:

ما يحمل على طرح القواعد الدستورية حول الحكومة في لبنان سجالات حيث يتم التداول بشأن الحكومة وكأنه خلاف بين جيران على شؤون خاصة أو خلاف حول مغانم. في مجتمع قبليّ تتقيّد القبائل بقيم في معالجة نزاعاتها! هل رئيس الحكومة المكلّف هو رئيس حكومة مسؤول يُؤلف فريق عمل مُتخصصاً و “إجرائياً” (الفصل الرابع من الدستور) تنفيذاً لسياسة عامة ويتقدّم إلى المجلس النيابي مع فريق عمل لطرح الثقة بفريق عمله المتضامن والمسؤول؟ تأليف الحكومة في لبنان هو في ممارسة ماضية تعبير صارخ عن تعليق دستور لبنان وخرقه وفقدان البوصلة مع برمجة ذهنية اجترارية. ما معنى حكومة في النظام الدستوري اللبناني؟

  1. اختصاصيون سياسيون وأصحاب خبرة: ورد صراحة وقصداً في الدستور اللبناني منذ 1926 توصيف السلطة التنفيذية (الفصل الرابع) “بالسلطة الإجرائية”، ما يعني في مجتمع مؤلف من 18 طائفة أنها أكثر من تنفيذية. وظيفتها “جعل الأمور تجري” حسب لسان العرب، خلافاً لمخادعات “الثلث” و “التعطيل” و “الحصص” و “الحجم”… تضمّ الحكومة تالياً فعَلَة أصحاب خبرة قادرين على ضمان فعالية القوانين ومتطلبات الناس الحياتية. هذا هو، نصّاً ومضموناً، جوهر الدستور اللبناني بالاستناد إلى الآباء المؤسسين وبخاصة ميشال شيحا حيث المجلس النيابي هو المكان الدائم للحوار وليس “السلطة الإجرائية”. وأساساً ليس للحكومات في أي دستور في العالم، وأياً كانت طبيعة النظام، صفة تمثيلية شاملة بالمعنى الانتخابي.
  2. الفدرالية الشخصية وموجباتها: في حالات حيث الفدرالية جغرافية، كما في سويسرا وبلجيكا وغيرها، يمكن أن تكون الحكومات ائتلافية لأن غالبية القرارات تُتّخذ في المقاطعات. أما في دولة موحّدة في فدرالية شخصية كما في لبنان فتأليف حكومات تتضمّن الجميع هو مأسسة للهيمنة والتعطيل.

يعود ابتداع حكومات برلمانات مصغّرة miniparlements إلى سلطات الاحتلال المباشر أو بالوكالة من خلال تطبيق عقيدة “الطغيان الفئوي” minority control أو dominant majority. يحصل ذلك في إسرائيل بالنسبة إلى المجموعة العربية وفي بلدان عربية على حساب الإدارة الديمقراطية للتعددية ويحصل أيضاً في بعض البلدان مثل أفريقيا الجنوبية خلال التمييز العنصري وأيرلندا الشمالية قبل اتفاقية الجمعة Friday agreement وبلدان أخرى. في الحالة اللبنانية يتعطّل القرار من خلال الفئة المستقوية داخلياً بالخارج

تم نسخ هذه العقيدة للكاتب الإسرائيلي Sammy Smooha من خلال ممارسات الثلث والتعطيل وخرقاً للمادة 65 من الدستور. الإدارة الديمقراطية للتعددية في لبنان هي مستهدفة سعياً لإرساء هيمنة فئوية:

يهدف الدستور اللبناني، في نصّه وروحيّته، في ما يختص بسياق التقرير حسب المادة 65 من الدستور، إلى تجنّب طغيان أكثرية abus de majorité أو طغيان أقلية abus de minorité. هذه المادة هي روعة في المخيّلة الدستورية من منظور عالمي ومقارن. هذه المادة هي ثمرة عباقرة في الفكر الدستوري. إنها تنحرف عن مضمونها من خلال أيديولوجية وممارسات “الثلث”، و “التعطيل” و “الحجم” والحقيبة الوزارية “الطائفية” حصراً. يعاني كل نظام برلماني تعدّدي معضلة السلطة autorité في حال ضعف الشرعية légitimité في الثقافة السياسية وفي حال الخروج عن المرجعية المطلقة “للكتاب”، أي الدستور، حسب تعبير الرئيس فؤاد شهاب.

  1. التضامن الوزاري: ما هو مصير التضامن الوزاري في حكومات برلمانات مصغّرة mini-parlements؟ ورد في الدستور اللبناني: “يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية” (المادة 66). إن مبدأ التضامن الوزاري جوهري في النظرية الدستورية:

في حكومات برلمانات مصغرة يتعطل الفصل بين السلطات وتستحيل الرقابة والمحاسبة وتتخذ غالباً القرارات لتبادل منافع.

  1. نفوذ أم سلطة ناظمة؟ يعمّم قانونيون – ولا نقول حقوقيين – سجالاً حول انتقال السلطة بموجب ميثاق الطائف والدستور المعدّل، من رئيس الجمهورية إلى الحكومة ومجلس الوزراء. تتجاهل هذه المقاربة الانتظام الدستوري اللبناني العام في مسألتين: 1. توصيف رئيس الجمهورية “برئيس الدولة” (المادة 49) الذي يعلو على كل السلطات في “السهر على الدستور”، 2. تحوير مصطلح السلطة إلى نفوذ خلافاً للتمييز الروماني بين السلطة الناظمة auctoritus / autorité المتمثّلة في قمة الحكم “برئيس الدولة” والنفوذ pouvoir / potestas. ما يحصل من سجالات هو في أساسه معبّر عن ذهنية ما قبل القبلية pré-tribal حيث إن القبائل تخضع لقيم ومعايير وقواعد ناظمة.

كان التذمّر خلال سنوات الحروب في لبنان من أن رئيس الحكومة هو “باش كاتب”. ما هي تالياً مسؤولية رئيس الحكومة؟ هل رئاسة الجمهورية سلطة مطلقة أم سلطة “السهر على احترام الدستور” (المادة 49) في سبيل انتظام المؤسسات بدون النيابة لا عن الحكومة ولا عن المجلس النيابي في ثقته أو عدمها للحكومة الجديدة؟

في ما يتعلق بالوزارات، لا تمييز دستورياً ومنطقياً، في أي مجتمع في العالم، بين وزارات سيادية وغير سيادية! هذا دليل على تقهقر الثقافة السياسية إلّا إذا اعتبرنا الوزارات مواقع نفوذ وليس مواقع ضمان المصلحة العامة وإذا اعتبرنا السيادة سيادة زعامات وليس السيادة الوطنية. حول الحقائب الوزارية ورد قصداً في الدستور اللبناني: “بدون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة” (المادة 95).

الدستور اللبناني، الذي هو إنتاج عباقرة تأسيساً من منظور عالمي ومقارن، مخترق، ومثقفون بدون خبرة وقانونيون – ولا نقول حقوقيين – ومخادعون يعتمون فساداً فكرياً. اضطربت قواعد إعراب القواعد الدستورية بشكل كامل، بخاصة منذ 2016، بسبب الاحتلال والباب العالي والأعوان الداخليين وشعارات الحجم والحصص.

January 21, 2025 05:26 AM