IMLebanon

“الطاقة” محط الأنظار والتجاذبات

كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:

يعتبر تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد مقياساً لجديّة تعاطي الأفرقاء مع المستجدّات التي طرأت على مستوى المنطقة ولبنان، وبعد أكثر من خمس سنوات ونصف على الانهيار المالي، حيث كانت وزارات عدة من بين الأسباب الكثيرة في الوصول إليه.

تُعتبر وزارة الطاقة من أبرز الوزارات التي شهدت هدراً كبيراً منذ نهاية الحرب الداخليّة اللبنانيّة وعلى مدى الحكومات المُتعاقبة حيث بقيَت الوعود بالإصلاح وتأمين الكهرباء حبراً على ورق، ممّا يدفع إلى السؤال لماذا لم تَكن هذه الوزارة هي الرافد الأساسي للخزينة بدل العبء على الخزينة؟ واستطراداً، يبرز السؤال الكبير: مَن سيتولى كرة النار هذه، وما هي أبرز التحديات التي تنتظر هذه الوزارة في ظلّ ما ستُسفر عنه أعمال التنقيب التي لا بدّ أن تعود للكشف عن آبار النفط؟

الخبيرة في قوانين وحوكمة الطاقة المحامية لمى حريز تؤكّد لـ «نداء الوطن»، أنّ «وزارة الطاقة لم تكن تُدار في الفترة السابقة من خلال استراتيجية سياسيّة واضحة بل كان يَحكمها البازار السياسي والصفقات لمصلحة جهة أو أخرى».

«الإجراءات المطلوبة»
عن الإجراءات المطلوبة من الوزير الذي سيتولّى حقيبة الطاقة، حسب حريز «أولاً يجب وضع استراتيجية لقطاع الطاقة في لبنان، وهنا لا أتحدّث فقط عن الكهرباء، وإنما قطاع الطاقة بمجمله، بدءاً من التنقيب عن النفط مروراً بالطاقة المتجددة وصولاً إلى معمليْ الزهراني والجية ومعمل الزوق الحراري، لأننا اليوم نفتقد الى الاستراتيجيّة، ويقتصر الأمر على وضع خطة حول كمية المازوت اللازمة لتشغيل هذه المعامل، وفتح المجال أمام التراخيص من خلال إعطاء 15 رخصة لإنشاء مزارع طاقة شمسيّة،كما يجب إعادة النظر في اتفاقية استجرار الغاز من مصر عبر الأردن وكذلك اتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن، وبالتالي، فإن القطاع يفتقد إلى خطّة كاملة مُتكاملة للبلد. الجميع يعلم أنّ مزارع الطاقة الشمسيّة تصلح لأماكن معينة ولا تصلح لأماكن أخرى كالجبال مثلاً. لذلك المطلوب من جهة إنشاء مزارع طاقة شمسيّة، ومن جهة أخرى التحوّل بشكل أكبر إلى الطاقة المائيّة والهوائيّة كي نتمكّن قدر الإمكان من التوجّه نحو أهداف التنمية المستدامة 2030 باستراتيجية واضحة».

«فوضى التراخيص»
وفي هذا السياق، تُشير حريز إلى أنّ «التراخيص التي أعطيت لإنشاء مزارع طاقة شمسيّة منذ العام 2017، لم تُتابع كما يجب. والبعض ممن حصلوا على التراخيص قاموا ببيعها لاحقاً. ومن المعلوم أنّ شركة «توتال» كانت تُحاول شراء أحد هذه التراخيص، وبالتالي خضعت لعملية بازار، لذلك المطلوب أن يكون لوزارة الطاقة سلطة معيّنة لمراقبة هذه الشركات والتأكد من أنها تراعي شروط الاختصاص المطلوب. لا أتحدث عن «توتال» بشكل خاص، لأن الأخيرة لديها الاختصاص المطلوب والكفاءة، لكننا نتحدث عن كل هذه التراخيص. ومساءلة تلك التي لم تُنفذ حتى اليوم عن سبب التلكؤ في التنفيذ».

«معضلة الهيئة الناظمة»
تُضيف: «من جهة أخرى، فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سيموّلان هذه المشاريع، إلّا أنّ هذا التمويل سيبقى مُجمداً بانتظار الإصلاحات المطلوبة، كتلك المرتبطة بالنظام المالي والإداري في البلد ككل، وأخرى مرتبطة بقطاع الكهرباء، وفي سلم الأولويّات تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وهنا نُواجه مشكلة جوهرية تكمن في أن عدد أعضائها خمسة، وهذا الأمر لا يتماشى مع الدستور الذي ينصّ على المناصفة، وبالتالي يُمكن لأي فريق عرقلتها إذا أراد ذلك. فإمّا أنْ يصار إلى تعيين خمسة من ضمن اتفاق معين أو أنْ يتم تعديل العدد ليُصبح ستة أو تخفيضها إلى أربعة أعضاء، لكن مع أربعة أشخاص لا نحصل على الأكثرية، وبالتالي سيُرفَع العدد إلى ستة». وهنا تلفت حريز إلى أنّه «يُضاف إليها الهيئة الناظمة لقطاع البترول»، منوهة «بجهود فريق الهيئة الذي عمل جاهداً طوال الفترة السابقة وتخطّى صعوبات كثيرة، لكن اليوم لا رئيس للهيئة وهي مؤلفة من ثلاثة أشخاص وبالتالي فإن إنتاجيتها على المحكّ، كما أنها فرغت من كل الموظفين الذين تعاقدت معهم، نتيجة الأزمة المالية التي حصلت».

«حركة دائمة»
أما في ما خصّ التراخيص، فتؤكد حريز أنّ «دورة التراخيص تنتهي في 17 آذار المقبل وبالتالي يجب أنْ نكون في حركة دائمة للتفاوض مع الدول. بالطبع يجب أنْ نتوجّه نحو دول غير دول «الكونسورتيوم» الذي كان يتألف من «إيني» الإيطالية وقطر إنرجي و»توتال» الفرنسية، وأن نجذب مستثمرين آخرين في المياه اللبنانية على البلوكات الأخرى». ووفق ما أشارت حريز إلى أنّ «تحليل البيانات الزلزاليّة في البلوك رقم 8 والتي تم تلزيمها إلى شركة «تي. دجي. أس» التي توحّدت مع شركة «بي. دجي. أس» وأصبحت شركة واحدة وبالتالي لم يعد هناك من منافس كبير لها في السوق لأن أكبر شركتين توحدتا. أُعطيَت هاتان الشركتان تراخيص لإجراء الدراسات الزلزالية، وأمّنتا 50 في المئة من المبلغ المطلوب، والخمسون في المئة المتبقيّة تحتاج إلى تمويل، وهنا نعود إلى صندوق النقد الدولي والذي بدوره لن يموّل أي مشروع في لبنان قبل أن يضمن حصول إصلاحات»

إصلاحات وأجواء إيجابيّة
وتطرقت إلى الجو السائد في العهد الجديد، معتبرةً أنّه «في السياسة، طبعاً البلد مُقبل على إصلاحات كبيرة والجو إيجابي جداً، وهذا سيسهل الأمور، لكن في المقابل هناك آليات واضحة يجب أنْ توضع من قبل الهيئات الناظمة صاحبة الاختصاص وفق القوانين اللبنانية وبوصاية وزير الطاقة المرجع السياسي الوصي على هذه القطاعات».

الكفاءة والإدارة
لذلك، «يجب عدم اختيار وزير الطاقة المُقبل على أساس سياسي فقط أو وفق خلفيات وحسابات سياسيّة وإرضاء لفريق أو لآخر، أو للكتلة التي تطالب بهذه الوزارة، بل المطلوب إيصال رجل كفوء، إداري ممتاز. برأينا التكنوقراطي جيّد لكن المهم الإدارة لأن هناك الكثير من التكنوقراط الذي يتمتعون بالخبرة في مجال اختصاصهم لكنهم في العمل السياسي والوزاري قد لا يكونون على قدر الإنتاجية المطلوبة. المطلوب شخص يفكر بطريقة جديّة في كل قسم من قطاع الطاقة: الطاقة المتجدّدة والتنقيب عن النفط وإدارة الكهرباء (التحويل والتوصيل)… هذا المطلوب من أي وزير طاقة سيتمّ تعيينه، حتى لو كان محسوباً على أي جهة سياسية تُطالِب بوزارة الطاقة»، حسب ما تُشير حريز.

الأخطاء السابقة
وعن الأخطاء التي ارتُكبت في الفترات السابقة،تعدّد بعضاً منها: «أوّلاً عدم وضع استراتيجية واضحة وموّحدة، عدم إعطاء دور للهيئات الناظمة ولم يتمّ تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ولم يعطَ الدور اللازم لهيئة قطاع البترول. لم تكن تخضع للوصاية لكنها تحوّلت إلى إدارة متفوقة وامتياز إداري لوزارة الطاقة على الهيئة الناظمة، وحصل هدر في أماكن كثيرة لصفقات واستثمارات ومنها استثمار «سيمنز» والاستثمار الذي كان يُحاول إنجازه الصندوق الكويتي. وهناك أيضاً خطأ إضافي غير مرتبط مباشرة بقطاع الكهرباء، وهو السدود التي تم إنشاؤها وتبيّن أنها فاشلة على مستوى الثروة المائيّة، كما أنّها أيضا أدّت إلى فشل على مستوى إنتاج الطاقة من المياه. لو كانت لدينا سدود مبنيّة ضمن خطة متكاملة بكل القطاعات المرتبطة بالطاقة، لكنا أنشأنا سدوداً نتمكّن أنْ نُنتج منها كهرباء. كما أننا نفتقر اليوم إلى صيانة والتي تعود إلى ما قبل الحرب اللبنانية عندما كان الطلب على الكهرباء أقل من اليوم، وكانت نسبة 80 في المئة من الكهرباء تُنتَج من الثروة المائية والمحطات الكهرومائية. اليوم لدينا نحو 28 محطة كهرومائية يعمل منها بين 2 و5 محطات وبقدرة متدنيّة جداً، ولا تتم صيانة معدّاتها أو تطوير وتحسين السعة كي يمكنها أنْ تتحمّلها».