IMLebanon

إعادة الإعمار في الأفق… وملف “المشاعات” يتصدّر!

كتبت ماريا خيامي:

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها لبنان نتيجة للأزمات المتتالية، يُعد ملف إعادة الإعمار من أهم القضايا التي يجب أن تتصدر أولويات الحكومة الجديدة، فقد خلّفت الحرب أضرارًا جسيمة في العديد من المناطق، حيث تعرضت الأبنية السكنية والتجارية والمرافق العامة للتدمير بشكل واسع، هذا الوضع جعل لبنان يعيش تحديًا كبيرًا في كيفية إعادة بناء ما تم تدميره، وكيفية تحديد المعايير التي تضمن عدالة وشفافية في إعادة الإعمار.

ومع تزايد المطالب الشعبية بإعادة بناء المناطق المتضررة بشكل سريع، يطرح العديد من الأسئلة حول كيفية تحديد الأبنية المستحقة للإعمار، وما هي المعايير التي ستُعتمد في هذا السياق، إضافة إلى ذلك، تبرز مشكلة الأبنية المخالفة، التي كان بعضها قد شُيد على أراضٍ غير قانونية أو بطرق غير مرخصة، مما يزيد من تعقيد مهمة إعادة الإعمار ويخلق تحديات قانونية واجتماعية.

من هذا المنطلق، حدد عضو تكتل الاعتدال الوطني ورئيس لجنة الأشغال العامة النائب سجيع عطية، المعايير التي سيتم اعتمادها لتحديد الأبنية التي تستحق إعادة الإعمار، حيث أكد أنه يجب إعادة إعمار جميع الأبنية التي كانت موجودة سابقًا وتعرضت للتدمير، سواء كانت منازل أو مرافق عامة.

في هذا السياق، شدد على ضرورة وضع خطة شاملة لإعادة بناء ما تم تدميره وتحديد أولويات الإعمار بناءً على الأضرار التي لحقت بكل منطقة.

وبالنسبة للأبنية المشيدة على أراضٍ مشاعية، أكد عطية أن إعادة إعمارها بطريقة مخالفة من جديد أمر مرفوض، ونعوّل على حكمة الحكومة الجديدة في هذا الموضوع، مشددا على ضرورة جمع البيانات اللازمة، والحصول على التراخيص اللازمة من الدوائر المختصة.

كما أضاف أنه من الضروري التأكد من قانونية الأراضي قبل البدء في عملية الإعمار، وفي حال كانت الأراضي غير قانونية، يتم العمل على إيجاد حلول قانونية لتسجيل الأبنية بما يتماشى مع القوانين المعمول بها.

وفيما يخص البناء المخالف، أكد عطية ضرورة وضع خطة واضحة لمعالجة هذه المخالفات بشكل جذري، حيث شدد على أن الحكومة الجديدة يجب أن تتخذ إجراءات حازمة لوقف البناء المخالف نهائيًا، وألا يتم السماح بإعادة إعمار الأبنية المخالفة في المستقبل، كما أكد على أن هذه الإجراءات يجب أن تكون مدروسة بعناية لضمان عدم تكرار المشكلة مستقبلاً.

وفي هذا الإطار، تحدث النائب عطية عن وجود خطط بديلة لمعالجة الأبنية المخالفة، وأوضح أنه في حال كان هناك أبنية قد تم إنشاؤها على أراضٍ مشاعية، يمكن إعادة إعمارها ولكن على أراضٍ قانونية، مما يضمن الالتزام بالقوانين وتفادي أي مشاكل قانونية مستقبلية.

أما بشأن مصير السكان الذين كانوا يعيشون في الأبنية المخالفة التي قد يتم استثنائها من الإعمار، أكد عطية أن هناك حلولًا يمكن إيجادها ضمن إطار الحكومة الجديدة، وأوضح أنه يجب تأمين بدائل للمواطنين المتضررين، سواء من خلال استرجاع ممتلكاتهم أو توفير سكن بديل لهم، بحيث لا يُترك السكان في وضعية صعبة جراء قرار استثناء الأبنية المخالفة من الإعمار.

فيما يتعلق بالتقييم الدقيق لحجم الأضرار التي لحقت بالأبنية، أوضح عطية أنه من الضروري إجراء إحصائيات دقيقة لتحديد عدد الأبنية المتضررة في كل منطقة، وأضاف أن هناك بعض الأرقام المتداولة حول عدد الأبنية المدمرة، لكنها بحاجة إلى دراسة دقيقة من قبل الجهات المعنية لأنها مضخّمة في بعض المناطق، وأكد أن البلديات والهيئات المعنية ستعمل على جمع البيانات بشكل شامل وموثق لتحديد حجم الأضرار بشكل دقيق.

من جهة أخرى، تناول عطية قضية البيئة وأضرار الأنشطة غير القانونية مثل “نقلة الردم”، حيث اقترح إعادة استخدام كميات الردم الموجودة في المناطق المتضررة في عملية إعادة الإعمار لتجنب ردم البحر، خاصة وأن الردم يحتوي على مواد سامة قد تؤدي إلى أضرار بيئية كبيرة.

وأكد أنه في حال لم يتم إدارة عملية الردم بشكل صحيح، فإنها ستؤدي إلى فوضى بيئية وتفاقم التشويه البيئي في المناطق، لهذا السبب، دعا إلى ضرورة أن يتم إدارة هذا الملف بواسطة مختصين لضمان تنظيم العمليات وتفادي أي تأثيرات سلبية على البيئة.

إن إعادة إعمار لبنان بعد الأزمات التي مر بها هو تحدٍّ يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، سواء كانت حكومية أو مجتمعية، من أجل ضمان سير عملية الإعمار بطريقة تتسم بالعدالة والشفافية، كما تتطلب العملية أن يكون هناك تقييم دقيق للأضرار من أجل تحديد الأولويات في الإعمار، وألا يتم الاكتفاء بتشييد الأبنية فحسب، بل يجب أن تكون البنية التحتية أيضًا جزءًا أساسيًا من عملية البناء الجديدة.

لكن لا يمكن إنكار أن هذه العملية ستواجه العديد من التحديات، سواء كانت قانونية أو بيئية أو اجتماعية، من هنا، يبقى السؤال الأبرز: هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن إعادة إعمار لبنان بشكل متوازن وعادل؟