Site icon IMLebanon

جوزاف ونوّاف يصدمان أحزاب الماضي: لا أرنب في الأفق

كتب هادي مراد في “نداء الوطن”:

يحكى أن مزارعاً صينياً كان يعمل بجد في حقله حتى شاهد ذات يوم أرنباً يركض بسرعة فاصطدم بجذع شجرة ومات فوراً. شعر المزارع بسعادة غامرة لأنه حصل على وجبة مجانية من دون أن يبذل أي جهد. بعد هذا الحدث، قرر أن يترك عمله في الحقل ويجلس بجانب الشجرة يوماً بعد يوم منتظراً أرنباً آخر يعيد المشهد نفسه. لكن ذلك لم يحدث أبداً، واستمر في الانتظار حتى نفدت موارده ومات جوعاً.

في لبنان اليوم، يصر البعض على العيش في الماضي وكأن شيئاً لم يتغير. المحلل السياسي التقليدي، الزعيم السياسي التقليدي، والأحزاب المتحجرة، جميعهم يظنون أن القواعد التي حكمت لبنان في العقود الماضية لا تزال قابلة للتطبيق اليوم. لكن الواقع يقول عكس ذلك، فقد دخل لبنان حقبة جديدة قُضي فيها على معادلات قديمة كانت تهيمن على المشهد السياسي والاقتصادي.

سقوط محور الممانعة في ثلاثة أشهر

لم يكن أكثر المتفائلين جرأة أو المتشائمين حذراً ليتوقعوا انهيار محور الممانعة في غضون ثلاثة أشهر. سردية “حزب الله” في الدفاع عن لبنان سقطت؛ فلا “الحزب” حمى البلاد ولا بنى أي قاعدة للاستقرار. أضف إلى ذلك سقوط بشار الأسد في غضون 12 يوماً، مع أن الكثير من الفحول المحللين السياسيين لم يجرؤوا على التفكير بالقصة حتى.

لكن رغم هذا التغير الجذري، ظل البعض يعيش في وهم أن الماضي لا يزال صالحاً للحاضر، متجاهلين أن لبنان تغيّر، وأن الشعب اللبناني بات أكثر وعياً واستعداداً لمواجهة الزعامات والأحزاب التي تعيش على إرث الزمن الماضي.

جوزاف عون: طلقة المجد التي نسفت التقليدية

عندما ظهرت فكرة تولي قائد الجيش، جوزاف عون، منصب الرئاسة، قاوم التقليديون هذا الاحتمال بشراسة. رفضوا تصديق أن شخصية مستقلة قادرة على كسر احتكارهم للمشهد السياسي. لكن جوزاف عون أتى بخطاب تاريخي في بعبدا، كان بمثابة “طلقة مجد” نسفت آمال الأحزاب التقليدية وأذابت المحللين السياسيين الذين عجزوا عن تفسير قوة هذا التحول.

وتباهى المفكرون المحنكون بأن العهد الأول سيبدأ بتسمية ميقاتي رئيساً، وكانت الصفعة على وجوههم. فالمفاجأة الكبرى جاءت بتسمية نواف سلام، قاضي محكمة العدل الدولية، رئيساً مكلفاً بأغلبية 85 صوتًا مقابل 9 فقط لميقاتي. هذه الصفعة المدوية قلبت الموازين، ومع ذلك استمرت القوى التقليدية في التصرف وكأن شيئاً لم يتغير.

نواف سلام: الرجل الذي رفض المحاصصة

عندما دخل نواف سلام المجلس النيابي للتشاور مع الكتل، بدا واضحاً أن الخماسية الدولية منحت فرصة أخيرة للأحزاب لتثبت قدرتها على التعلم من الدروس. لكن عبثاً، بقيت الأحزاب راكدة في مكانها. الشيعة أرادوا وزارة المال، التيار الوطني الحر تمسك بوزارة الطاقة، الممانعة طالبت بالثلث المعطل، وبعضهم استمر في رفع شعار “جيش شعب مقاومة”.

مساكين: ما زالوا يعتقدون أنهم هم يرسمون المرحلة، فاختاروا الكذب على أنفسهم، وسقطوا في بئرٍ ملوّثة عميقة جداً. فصفعهم الرئيس المكلف نواف سلام من بعبدا قائلاً بوضوح: “أنا لست صندوق بريد، وأنا من يسمي الوزراء، كما أنني لم أعد أحداً بوزارة المال”. وأثبت أنه الرجل القادر على قلب الطاولة على من يحاولون إعادة إنتاج الماضي.

ماء بارد على جبين المتحاصصين

تلك الكلمات نزلت كالماء البارد على وجوه المحاصصين والمحللين الذين يعيشون في زمن “فيشي”. بات واضحاً أن المرحلة لا تشبه الماضي، وأن محاولات التمسك بالمحاصصة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الإحراج والسقوط.

أما الأحزاب التقليدية، فقد اختارت الكذب على نفسها بدلاً من مواجهة الواقع. سقطوا في حفرة كبيرة صنعوها بأيديهم، وها هو نواف سلام يعيد تشكيل المشهد السياسي، ليضع حداً للروتين السياسي الذي خنق البلاد لعقود.

نحو حكومة تقضي على الروتين

في النهاية، الحكومة القادمة ستكتب نهاية عصر الروتين السياسي القديم، لتفتح الباب أمام عصر جديد قائم على الكفاءة والتغيير الحقيقي. هذه الحكومة ستكون عصا تُعلم القوى التقليدية درساً أخيراً: لا يمكنكم انتظار أرنب الحظ الذي لن يأتي، كما فعل المزارع الصيني في القصة الشهيرة.

لقد اعتقد ذلك المزارع أن الحظ سيُعيد تكرار نفسه، فمات جوعاً. وكذلك، ستنتهي هذه القوى التقليدية في زنزانات التاريخ، غير قادرة على مواكبة الحاضر الذي يتغير بسرعة تفوق خيالهم. لبنان اليوم في طور الكتابة من جديد، ومعه تُطوى صفحات الماضي البائس.