كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يستمرّ سياسيّو لبنان بخلق أعراف وقوانين جديدة حتى لو أتى إلى السلطة من يملك النفس التغييري. وتدعو قصة تعامل الرئيس المكلّف نواف سلام مع تأليف الحكومة إلى اليأس. فمن ظنّ أنه أتى بنفَس جديد، بات يُصدم من الأخبار المسرّبة عن طريقة التعاطي.
تشير المعلومات إلى أنّ الامتعاض من أداء سلام لا يقتصر فقط على القوى السيادية وكتل الوسط، بل وصل إلى التغييريين أنفسهم الذين يفاخرون بإيصاله. فالرئيس المكلّف، لم يأخذ الرقم العالي من النوّاب الذين سمّوه ووصل إلى 84 نائباً كي يعمل على أساس الاحتضان الشعبي، بل ذهب يراضي من لم يسمّه، ويحاول فرض أعراف جديدة، وأدار ظهره إلى بعض الكتل التي ساهمت بإيصاله.
ولا يتعلّق الأمر بمبدأ السلطة، بل بطريقة إدارة عملية التأليف. فلو أراد سلام فعلاً الالتزام بالمواثيق والأعراف، يجب عليه تأليف حكومة أكثرية والأقلية تعارض. وتتبع أرقى الدول مبدأ المعارضة والموالاة ومنطق الأكثرية. وإذا سمّت مجموعة من الكتل النيابية رئيساً للحكومة، فيجب أن تتمثل هذه الكتل في الحكومة. أما الكتل التي لم تشارك في التسمية فتعارض. وهذا يكون حافزاً لتشكيل ائتلافات لتسمية رئيس للحكومة. وإلّا، فما هو الحافز للنائب لكي يسمّي رئيس حكومة إذا كان يعلم مسبقاً أن كتلته ستشارك في الحكومة في جميع الأحوال، وتصبح المعارضة والموالاة داخل مجلس الوزراء؟
في سياق متصل، لا يمنع الدستور اللبناني النواب من المشاركة في الحكومة، بل ينصّ على جواز الدمج بين الوظيفتين. ولا يمنع أيضاً من أن تتمثل الكتل النيابية في الحكومة. ولا ينطبق منطق فصل السلطات على هذا الموضوع، وإلا يصبح المجلس النيابي بكامله معارضاً للحكومة.
من هذا المنطلق، هناك رأي يقول إن رقم الـ 84 نائباً الذي سمّى نواف سلام كافٍ لتشكيل حكومة من القوى السياسية التي سمّته مع مراعاة التوزيع الطائفي فيها. وتستطيع الحكومة نيل الثقة في المجلس النيابي من دون إشراك قوى سياسية لم تسمّه وتتضارب مصالحها مع أولويات الحكومة. وهنا يطرح سؤال: لماذا إصرار الرئيس المكلّف على إشراك هذه القوى السياسية والبتّ معها بالحقائب والأسماء قبل غيرها من الكتل؟
من جهة ثانية، وبعد الحديث عن رغبة سلام في منح وزارة المال لـ «الثنائي الشيعي»، هناك استفسارات عمّا يعرف سلام عن هذه الوزارة؟ وكيف استخدمها «حزب الله» و «أمل» لغايات خاصة؟ وهل يجوز لفريق عارضه وجرّ البلاد إلى الحرب الاحتفاظ بمثل هذه الحقيبة؟
وفي جردة لأهمية المال بالنسبة لـ «الثنائي»، يتّضح أن وزير المال يقترح على مجلس الوزراء اسم حاكم مصرف لبنان ليُصار إلى تعيينه. كما أن وزارة المال هي وزارة الوصاية على المجلس الأعلى للجمارك وإدارة الجمارك التي تتحكّم بضبط البضائع والتهريب والتحصيل على الحدود البرية والمرافئ والمطار حيث يمكن لشركات محسوبة على «حزب اللّه» الاستفادة مادياً من التهرّب الجمركي. وتتمتّع وزارة المال بصلاحية التحصيل الضريبي حيث يتمّ غضّ النظر عن مؤسسات وأفراد في بيئة «الحزب» و «الحركة» لتحقيق أرباح كبيرة وبيع بضائع تغرق السوق. وتمنح صلاحية توقيع وزير المال على قرارات مجلس الوزراء، بحجة الأثر المالي لغالبية القرارات، سلطة استنسابية للوزير قريبة من سلطة رئيس الحكومة. كذلك يمكن لوزير المال التدخّل في تأخير أو وضع أولويات التوقيع على كل عقود النفقات الصادرة عن كل الوزارات، وبالتالي التحكم بعمل الوزراء حتى لو وجدت موازنة.
ويتطلّب تحريك حسابات الدولة لدى مصرف لبنان توقيع وزير المال. وتحصل مناقشة الموازنة أولاً مع وزير المال قبل مناقشتها في الحكومة ومن ثم إقرارها في مجلس النواب. وتتعاقد وزارة المال مع شركات السداد الإلكتروني التابعة لجهات مقرّبة من «حزب اللّه» بدل المعاملات الإلكترونية الحكومية.