IMLebanon

“الثنائي الشيعي” يحاول تكريس التعطيل كعرف

كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:

منذ إجراء انتخابات نيابية في العام 1992، بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، وحتى العام 2014 لم يتسلّم أي شيعي وزارة المال. فقد حرص رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري على تسلّم هذه الوزارة ومن ثم الاحتفاظ بها ما دام رئيساً للحكومة. في العام 2014 وفي حكومة تمام سلام تسلّمت “حركة أمل” وزارة المال للمرة الأولى. سمّى رئيس مجلس النواب نبيه بري رجله الوفي، علي حسن خليل، وزيراً للمالية. منذ ذلك الحين، بدأ ثنائي “حزب اللّه – حركة أمل” يحاول تكريس عرف يقضي بألا تذهب الوزارة إلى غيره بحجة منح الشيعة ما عرف بالتوقيع الثالث. وصارت الوزارة أشبه بحق النقض الذي يمكنه الانقلاب على القرارات وتعطيل الحكومة والقضاء.

استمرّ علي حسن خليل وزيراً للمالية لثلاث حكومات متتالية، من شباط 2014 حتى كانون الثاني 2020. أي أن وزير “أمل” تسلّم الوزارة قبل الانهيار بنحو خمس سنوات وبقي في منصبه حتى إسقاط حكومة الحريري في الشارع وتسمية مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة.

لكن “عقدة المالية” وإصرار الثنائي الشيعي على تسمية وزير المالية، في وقت كان يطالب فيه الشارع المنتفض بالإصلاحات، ورفض الثنائي حتى أن يسمّي الرئيس المكلّف وزيراً شيعياً، أدت إلى إفشال مهمة أديب. فاعتذر عن عدم تشكيل الحكومة وعاد أدراجه.

بعد تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، قيل إنها حكومة تكنوقراط، اختار بري الخبير الاقتصادي غازي وزني لتسلّم حقيبة المال كاسم غير حزبي. وبعد استقالة دياب إثر انفجار مرفأ بيروت والمعلومات التي تحدثت عن علمه بوجود المواد التي انفجرت، عادت عقدة المالية لتطلّ.

عرقلة عمل القضاء

هذه المرة كان أمام لبنان استحقاقان أساسيان: الإصلاحات المالية مع كل ما تتضمنه من ملفات ضخمة، وكشف الحقيقة في قضية انفجار مرفأ بيروت. أمام هذين التحدّيين أصرّ الثنائي على امتلاك “الفيتو” أي “التوقيع الثالث”.

اختار الثنائي يوسف خليل مدير العمليات المالية في المصرف المركزي، والذي عمل نحو 20 عاماً ضمن دائرة رياض سلامة الضيقة، ليتولى وزارة المالية في فترة يفترض بها أن تكون فترة تدقيق في حسابات المصرف ومحاسبة المسؤولين عن الانهيار.

لم يخيّب خليل أمل من عيّنه في فترة مصيرية من تاريخ لبنان. فعرقل تعيينات رؤساء غرف محاكم التمييز التي أعلنها مجلس القضاء الأعلى. ما شكل تدخلاً فجّاً في عمل القضاء وعرقل التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت وغيرها. كذلك عمد خليل إلى إخفاء التقرير الجنائي الخاص بحسابات مصرف لبنان.

ضرب النظام البرلماني

في العام 2018 برزت أيضاً قدرة وزير المال على التعطيل عندما اندلع خلاف بين رئيس الجمهورية حينها، ميشال عون، ورئيس مجلس النواب حول مرسوم تعيين قناصل فخريين. يومها رفض علي حسن خليل التوقيع إلى أن حلّ الخلاف بتسوية.

اليوم يحاول الثنائي الشيعي الحفاظ على وزارة المال بعهدته كي يحافظ على قدرته على عرقلة قرارات الحكومة في حال لم تتناسب ومصالحه. ويحاول “حزب اللّه” الذي فقد الكثير من قوته ومكاسبه نتيجة الحرب، الحفاظ على قدرته على التعطيل وفرض تعيينات وقرارات. وامتلاك الحزب قدرة على نقض قرارات الحكومة قد تدفع أيضاً باتجاه قرارات تتعارض مع اتفاق وقف إطلاق النار وتسمح بالانقلاب عليه.

خطورة محاولة تكريس الثنائي امتلاكه وزارة المالية كعرف تكمن في محاولة تحويل وزارة المالية إلى معرقل للسلطة التنفيذية. وتعني تغليب إرادة وزير واحد على إرادة مجلس الوزراء مجتمعاً. وهو ما يضرب عرض الحائط بالنظام البرلماني.