كتبت نوال برّو في “نداء الوطن”:
يواصل الرئيس المكلّف نواف سلام مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة. لكن تلوح في الأفق علامات التباطؤ في عملية التأليف بسبب الأجواء المتشنّجة حول توزيع الحقائب الوزارية. ويتساءل اللّبنانيون حول أي من أنواع الحكومات هو أنسب للبنان حالياً ما بين السّياسية والتكنوقراط؟ وعلى أي حال، يبقى الأساس أن تكون الحكومة المقبلة سفينة نجاة للبنان.
هكذا، ووسط الحديث عن قرب ولادة الحكومة العتيدة، وما تشهده من صدامات بشأن تمثيل بعض الكتل، تتّفق القوى السياسيّة على أن تشكيل حكومة من الاختصاصيين هو الحل الأمثل لتجاوز هذه الأزمة. ويعتقد الدكتور ميشال شماعي أن أفضل أنواع الحكومات المطلوبة لهذه المرحلة هو الحكومات المتخصصة والمسمّاة بالتكنوقراط، لكن يجب أن تكون هذه الحكومات على صلة وثيقة مع الأحزاب وصديقة لها لأنه لا يمكن استثناء أي مكون في البلد. وأكد أن حكومة الإنقاذ يجب أن لا تكون مشكّلة من الأحزاب الموجودة حصراً في البرلمان اللبناني كي لا تفقد المحاسبة، بحيث تصبح الحكومة مجلساً نيابياً مصغراً.
يتخوف شماعي، مثله مثل كثيرين من نشوء ميني مجلس نواب لا محاسب له ولا مراقب. إلا أنه يجب ألّا تكون الحكومة المقبلة بعيدة كل البعد عن السياسيين وكأنها قادمة من المريخ.
وشرح شماعي أن المطلوب هو حكومة متخصصين غير بعيدة عن الأجواء السياسية لأنها في نهاية المطاف يجب أن تكون على بيّنة من الملفات السياسية كافة. واعتبر أن المشكلة التي واجهناها خلال السنوات الـ 30 الأخيرة، ليست قائمة فقط على الفساد، بل كانت قائمة على الفساد المقترن بسيطرة سياسية لمحور الممانعة والذي أدى إلى وصولنا إلى ما وصلنا إليه. ويوضح شماعي أن قيام حكومة سياسية بحتة لن يحصل إلا في حال كان البلد في حالة استقرار وثبات وازدهار وأمن، حيث تكون الحكومة السياسية جامعة للأقطاب السياسيين للتعاطي بالشأنين السياسي والتنفيذي.
ويرى شماعي أنه لا يمكن أن نكون في حكومة سياسية بحتة. ففي الحالة التي نعيشها اليوم ستعطل الأمور السياسية الأمور التنفيذية.
لا شك أن الحكومة المقبلة ستشهد تحديات كبيرة. إذ رأى شماعي أن أبرز هذه التحديات اختيار أسماء لا تدين بالولاء لمحور الممانعة من جهة، وغير مرتبطة بارتباطات إقليمية ودولية من جهة ثانية حتى لا تصبح هذه الحكومة حكومة مشلولة فاقدة الصلاحيات والقدرة على السير. وقال إن الأساس في هذه المرحلة هو الابتعاد عن الحكومة الشكلية قدر الإمكان، وإلّا سنكون أمام مأزق جديد.
لا يخفى على أحد أن لبنان عاش تجارب عصية تجعل من الضروري التركيز على عدم إعادة أخطاء الماضي. لذا، يشهد تشكيل الحكومة ترسيخاً لعرف سائد منذ عام 2005، وهو تقسيم الوزارات إلى أربع فئات وتوزيعها وفقاً لطوائف البلاد والقوى السياسية. ورغم التأكيد على مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، إلا أن الصراع يتركز على الوزارات الوازنة ذات التأثير المالي والسياسي الكبير. وتوارث بعض الأفرقاء السياسيين على مدى حكومات متتالية حقائب وزارية معينة. فتمسّك “الثنائي الشيعي” مثلا بوزارة المالية، وسيطر “التيار الوطني الحر” على وزارة الطاقة.
وحول إمكان أن يتحول توارث الأحزاب السياسية للحقائب الوزارية عرفاً، لا سيما أن العرف يصبح أقوى من الدستور في حالات كثيرة، يشدد شماعي على أن الأمر لن يصل إلى هذا السوء. وذكّر بأن الرئيس نواف سلام طمأن في تصريحه في قصر بعبدا إلى أن هذه الحكومة ستكون حكومة لكل اللبنانيين وستتّبع مبدأ المداورة.
باختصار، إن زمن الأول تحول، والجدير بالذكر، كما يرى شماعي، أنه حتى لو لم تتم المداورة، فلن تكون هذه الحكومة حكومة استفزاز لأحد. ولن يتقيّد نواف سلام بالشؤون الضيقة كالطائفة والانتماء الحزبي التي تحد العمل والكفاءة . وهو أكد أن كل الأسماء المسربة حتى الآن هي غير صحيحة.
وعن احتمال حدوث عرقلات، قال شماعي إن ذلك لن يتم في هذا الظرف لأن القطار انطلق ولا إمكانية لإيقافه. وما يؤكد أن العرقلة لا يمكن أن تستمر هو وجود ضغوط دولية من أجل إعادة الإعمار وإعادة أموال المودعين.
وفي ظل التخوف من ردود فعل “الثنائي الشيعي”، يرى شماعي أن “الثنائي” همو الأحوج في هذه المرحلة لبناء مؤسسات قادرة على إنقاذ وإنهاض مجتمعه من جديد. فهذا المجتمع الذي أدت قرارات “الثنائي” الخاطئة إلى تدميره، لا خيار له سوى الدولة، وبخاصة أن الإيراني ليس باستطاعته أن يساعده بعد الآن. كما أن القضايا اللوجستية استنزفت في الحرب، لذلك هو بحاجة للدولة في هذا الوقت العصيب.
على كل حال، ورغم سعي كل فريق إلى تقاسم الوزارات كمغانم مع الآخر، يتصاعد دخان الإيجابية من السراي الحكومي، على أمل أن نتلقى صدمة إيجابية، عندما تظهر أسماء الوزراء إلى العلن.