IMLebanon

معادلة “الجيش والشعب” تحرر قرى الجنوب

جاء في “الجريدة” الكويتية:

كان لبنان أمس على موعد مع مشهد استثنائي في الجنوب، مع انتهاء مهلة الـ 60 يوماً لانسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي احتلها خلال حربه الأخيرة مع «حزب الله»، وذلك بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال.

فبعد إعلان تل أبيب نيتها عدم التقيد بمواعيد الانسحاب المنصوص عليها في الاتفاق وعدم سحب جنودها من عدة قرى حدودية جنوب نهر الليطاني، توجه سكان تلك القرى، بمواكبة الجيش اللبناني، إلى بلداتهم التي لا يزال الجنود الإسرائيليون فيها، وهو ما دفع في نهاية المطاف القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من عدة مواقع.

وأطلق الجيش الإسرائيلي النار باتجاه المواطنين الذين حاولوا عبور عوائق ترابية أقامها داخل قراهم الحدودية المحتلة، خصوصاً في كفركلا ومركبا وحولا ومارون الراس وعيتا ويارون وميس الجبل والخيام والضهيرة ويارين وغيرها، ما أدى إلى مقتل 17 شخصاً على الأقل، بينهم جندي، وإصابة أكثر من 80 شخصاً بينهم أطفال، في حين احتجزت القوات الإسرائيلية ثلاثة مواطنين على الأقل.

وكان رئيس الجمهورية جوزيف عون، وصف، في بيان، ما جرى بأنه «يوم انتصار للبنان واللبنانيين، انتصار للحق والسيادة والوحدة الوطنية»، ودعا إلى «ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة اللبنانية»، مؤكداً أنه «معاً سنبقى أقوى، متحدين تحت راية لبنان».

وفي حين عبّر رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، عن «الثقة الكاملة بدور الجيش في حماية سيادة لبنان وتأمين العودة الآمنة لأهلنا في الجنوب»، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «دماء اللبنانيين الجنوبيين العزل وجراحاتهم هي دعوة صريحة وعاجلة للمجتمع الدولي والدول الراعية لاتفاق وقف النار للتحرك الفوري والعاجل لإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها».

وأشادت قوى سياسية عدة بتحرك الجيش، معتبرة في الوقت نفسه أن حق عودة الجنوبيين إلى قراهم هو مسألة وطنية يدعمها الجميع، في حين بدا أن «حزب الله» فشل في محاولة استغلال التحرك لأهدافه وحصره في مصالحه الحزبية الضيقة عبر تعويم معادلة «الشعب والجيش والمقاومة»، التي تصر عدة قوى لبنانية على عدم إدراجها في البيان الوزاري للحكومة التي يجري العمل على تأليفها، وترى فيها رمزاً لهيمنة الحزب على الحياة السياسية اللبنانية منذ «أحداث 7 آيار 2008» عندما احتل قسماً كبيراً من بيروت لإخضاع القوى السياسية المناوئة له.

وكان كلام النائب عن «حزب الله» حسن فضل الله واضحاً في هذا المجال، إذ قال، بعد دخوله إلى بلدة عيتا الشعب المدمرة بالكامل: «ها هي معادلة الجيش والشعب والمقاومة، فالمقاومة قاتلت هنا حتى اليوم الأخير، والشعب حرر عيتا ويفتح الطريق للجيش»، مضيفاً أن «معادلة الجيش والشعب والمقاومة ليست تلك التي تُكتب على الأوراق وفي البيانات الوزارية، بل هي تُصنع على الأرض».

في المقابل، برر الجيش الإسرائيلي إطلاق النار على اللبنانيين العزل بأنه كان يسعى إلى «إبعاد وإزالة تهديدات في عدة مناطق تم رصد مشتبه فيهم يقتربون منها»، مشدداً على أنه «ينتشر في جنوب لبنان، ويواصل العمل وفق التفاهمات بين تل أبيب وبيروت، ويراقب محاولات حزب الله العودة إلى منطقة جنوب لبنان».

وبينما أفادت وسائل إعلام عبرية بأنه تم رفع حالة التأهب في منظومات الدفاع الصاروخية شمال إسرائيل ووضع سيناريوهات لخروج الأمور عن السيطرة، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحفاظ على اتفاق وقف النار في لبنان، وذلك غداة اتصاله بالرئيس اللبناني، علماً بأن فرنسا هي إحدى ضامني الاتفاق إلى جانب الولايات المتحدة.

وقالت مصادر سياسية في بيروت لـ «الجريدة»، إن «حزب الله» أعد منذ أيام لمشهد عودة الأهالي، وأراد بذلك أن يقول بوضوح إنه لا يزال حاضراً بقوة ويحافظ على قدراته التنظيمية، مضيفة أن رسالة الحزب للخارج كانت بأن أنصاره متمسكون به، وبأنه يمسك بزمام الأمور في جنوب نهر الليطاني رغم أن اتفاق وقف النار يفرض عليه تفكيك بنيته العسكرية هناك، أما للداخل فأراد القول إن كل المعادلات لا بد أن تمرّ به ولا يمكن التعاطي معه كطرف مهزوم.

وأشارت المصادر إلى أن الحزب أراد تعويم معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، عبر استحضار المشاهد التي سبقت 25 مايو 2000، عندما توافد آلاف الجنوبيين إلى قراهم، بعدما أصبح الانسحاب الإسرائيلي أمراً مؤكداً، في صور لا تزال عالقة في أذهان اللبنانيين ومحفورة بالذاكرة، لكن يبدو أنه فشل في ذلك.