كتب غاصب المختار في “اللواء”:
مع صباح أمس الأحد، كان يُفترض أن يكون الجيش الإسرائيلي قد انسحب من كامل الأراضي اللبنانية، وأن يكون الجيش اللبناني قد أنهى انتشاره فيها تطبيقاً لإتفاق وقف إطلاق النار. إلّا أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات للقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بعدم تنفيذ الانسحاب، بحجة «عدم التزام الجانب اللبناني ببنود الاتفاق»، مهدّداً بأن «أي رد من المقاومة سيواجه بتصعيد عسكري». لكن أهل الجنوب التزموا الاتفاق وعادوا أمس بالآلاف الى قراهم المدمرة رغماً عن القوات الإسرائيلية، ما اضطره تحت ضغط المد الشعبي الكبير الى التراجع عن عدد من النقاط في بعض القرى فدخل الجيش إليها، كما حصل في مارون الراس ويارون وعيتا الشعب وعيترون وغيرها من قرى.
وأكدت مصادر ميدانية في الجنوب، ان الجيش الإسرائيلي سيضطر عاجلاً أم آجلاً الى الانسحاب ولو ماطل قليلاً، لا سيما من حولا وميس الجبل وكفركلا وبليدا، التي عاد إليها أهلها أمس ووقفوا بصلابة أمام دبابات وجنود إسرائيل. كما ان الضغوط والاتصالات التي مورست رسمياً خلال اليومين الماضيين ستفعل فعلها إضافة الى الضغط الشعبي الكبير.
ولكن بدا من خلال مهلة الستين يوماً التي استغرقها تنفيذ الاتفاق – وما كان يجب أن يوافق عليها لبنان أصلاً – أنها منحت العدو فرصة ثمينة لتحويل قرى الحدود الجنوبية الى منطقة لا مقومات للحياة فيها ويتعذر على أهاليها العودة إليها. عدا عن إن الجيش الإسرائيلي لم يتقيّد بنص الاتفاق بل طبّق الاتفاق الجانبي بينه وبين إدارة الرئيس جو بايدن الأميركية الراحلة، والذي أيّدته إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب قبل تسلّمها مهامها. وأدّى هذا الأمر الى ان حقق الجيش الإسرائيلي بالهدنة ما لم يحققه بالحرب وزيادة حجم الدمار في قرى الجنوب بنسبة 60 في المئة عما كان عليه قبل الهدنة، ما جعل ثمن الموافقة على المهلة الطويلة خطأ فادحاً نتيجة مماطلة الجيش الإسرائيلي بتنفيذ الانسحاب وسقوط الضمانات والتعهدات الأميركية والفرنسية وهذا ما لم يحسب له المفاوض اللبناني حساب.
والى ذلك، وافقت الإدارة الأميركية الجديدة على طلب الجيش الإسرائيلي تمديد مهلة الستين يوماً فترة اضافية لكن ليس شهراً، معتبرة حسب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بريان هيوز، «انه أمر ضروري» مشدّداً على «أهمية تمديد وقف إطلاق النار بشكل موقت لضمان عدم قدرة حزب الله على تهديد لبنان أو جيرانه. وإنّ الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق مع شركائها الإقليميين لإتمام هذا التمديد، مع التأكيد على التزام الرئيس الأميركي بضمان سلامة المواطنين الإسرائيليين»!، وهذا التمديد لو تم فعلاً يعني مزيداً من تدمير ما تبقّى من مقومات عيش وحياة للجنوبيين، وكل هذا والدولة اللبنانية عاجزة عن تحقيق أي خطوة إجرائية تضع حدّاً لعربدة الجيش الإسرائيلي.
وحسب معلومات «اللواء» فإن الاتصالات التي أجراها الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي وقيادة الجيش اللبناني وحتى الرئيس المكلف نواف سلام بالأميركيين والفرنسيين العضوين الأساسيين بلجنة الاشراف على وقف إطلاق النار، لم تسفر عن نتيجة تذكر لضمان الانسحاب الكامل بعدما قرّر الجيش الإسرائيلي البقاء في عدد من مناطق القطاع الشرقي، بدليل ما قامت به القوات الإسرائيلية خلال اليومين السابقين للإنسحاب المفترض من تخريب البنى التحتية في قرى الحدود وتجريف وحفر الطرقات ورفع السواتر والعوائق ونسف مزيد من المنشآت لمنع أهالي قطاعي الجنوب الأوسط والشرقي من العودة، بعد تخريب قرى القطاع الغربي التي دخلها الجيش اللبناني وهو مدمرة بشكل شبه كامل.
وحسب معلومات جهات رسمية أيضاً، فإن الجيش اللبناني لم يستطع التحرك بحريّة خلال عمليات انتشاره بسبب ممارسات الجيش الإسرائيلي ومنعه من التقدّم والانتشار، واكتفى بتحذير المواطنين من عدم دخول قراهم قبل تأكيد الانسحاب الإسرائيلي وتنظيف القرى وفتح الطرقات، وقام بالتنسيق مع البلديات كسلطات مدنية مسؤولة لضمان عدم تسرّع الأهالي بالعودة الى قراهم حفاظا على أرواحهم . كما لم تنفع اتصالاته مع لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار وخلال اجتماعات اللجنة القليلة في ثني الجانبين الأميركي والإسرائيلي عن منع الجيش الإسرائيلي من استكمال العدوان على القرى.
ولو لم يكن الجانب الأميركي وهو المعني الأول والأساسي والمؤثر على قرار الجيش الإسرائيلي موافقاً على كل اجراءات تدمير الحياة في قرى الحد الأمامي للجنوب، لما تجرأت إسرائيل على فعل ما فعلته خلال الستين يوماً، وبالتالي تتحمّل الإدارة الأميركية كامل المسؤولية السياسية والعسكرية والمدنية والقانونية والأخلاقية والإنسانية عمّا ارتكبه الجيش الإسرائيلي.
أما وقد وصل الوضع الى هذا الحد، فلا بد حسب مصادر مطّلعة على الموقف الرسمي وموقف حزب الله، من انتظار ما سيحصل لاحقاً، وهل يبقى الجيش الإسرائيلي كما أعلن في خمس نقاط يعتبرها حيوية بالقطاع الشرقي، وقالت المصادر لـ«اللواء»: ان الحزب أوكل أمر متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل الى الدولة ولجنة الإشراف، والحكومة قالت انها تتابع الوضع وسينتظر الحزب نتائج هذه المساعي الرسمية، وقالت: «إذا بقي الاحتلال نبني على الشيء مقتضاه، حيث يحق للبنان وشعبه الدفاع عن أرضه بكل الوسائل، كما تنص كل المواثيق والشرائع الدولية».