IMLebanon

أهالي علما الشعب المنكوبة يعودون لقريتهم بمشهد مختلف.. “الجيش هو ضمانتنا”!

تحقيق إيليان أبي ضاهر:

بين أنقاض الدمار ورائحة اشجار الزيتون المحترقة، تعود الحياة بخطوات خجولة إلى الجنوب اللبناني. ففي بلدة علما الشعب، التي كانت شاهدة على نيران الحرب ومرارة التهجير، يرفع أبناء البلدة اليوم رسالة واحدة “الجيش اللبناني هو الأمل والضمانة الوحيدة للسلام”، في وطنٍ أنهكت الحروب الهمجية سيادته.

وتصدّرت مشهدية عودة أبناء الجنوب إلى قراهم يوم الأحد حديث اللبنانيين، وذلك وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. لكن المشهد في بلدة علما الشعب بدا مختلفًا تمامًا، إذ اختار أبناؤها النزول يوم الاثنين لتفقّد الدمار الذي خلّفته الضربات، وذلك بعيدا عن الرسائل السياسية والمسرحيات التي تحجب وتلون الحقيقة.

وتعتبر علما الشعب، قرية صغيرة تقع في قضاء صور وأبناؤها من الطائفة المسيحية، عُرفت برفضها الحرب وعدم وجود أي سلاح أو مسلحين فيها. لكن ذلك لم يُبعد عنها الكأس المرير، فقد أظهرت المشاهد حجم الدمار الكبير الذي طال المنازل والكنائس والبنى التحتية.

 

 

View this post on Instagram

 

A post shared by IMLebanon (@imlebanonnews)

الوضع كارثي.. “يد وحدة ما بتزقف”

وفي حديث خاص لموقع IMLebanon ، أكد نائب رئيس بلدية علما الشعب، ويليام حداد، أن “عدد النازحين من البلدة بلغ حوالي 800 شخص، أي ما يعادل 85 عائلة. عندما اشتدت الأحداث، تواصل الجيش الإسرائيلي مع المواطنين لتحذيرهم بضرورة إخلاء منازلهم وقراهم، وعندها اتُّخذ قرار إخلاء القرية بالكامل”.

وأضاف: “الاثنين كان اليوم الأول الذي عاد فيه شباب المنطقة لكشف الأضرار، حيث نُظّمت مجموعات للحراسة. وبعد الكشف، تبيّن أن المنازل جميعها متضررة ولا بيت صالح للسكن بشكل فوري”.

وعن أوضاع البلدة خلال الحرب، أوضح حداد: “منذ اليوم الأول للمعارك، تعرّضت خطوط كهرباء الدولة للدمار الكامل، فاعتمدنا على المولدات وتأمين المازوت للاستمرارية. تواصلنا مع مرجعيات دينية، أحزاب، جمعيات، واليونيفيل للحصول على مساعدات غذائية ومواد تنظيف، لكن المساعدات الحكومية كانت خجولة للغاية، ولم تتعدَّ توزيع حصص غذائية مرة أو مرتين”.

وأشار حداد إلى التحديات الكبرى لإعادة أبناء البلدة قائلاً: “الوضع كارثي، فالبنى التحتية مدمرة بالكامل، مراكز الإسعافات الأولية جُرفت بالكامل، وحتى الآليات التابعة لها أصبحت غير صالحة. إعادة أبناء البلدة بعد نزوحهم إلى بيروت لأكثر من سنة هي التحدي الأكبر. وهذا السيناريو ليس بجديد؛ فقد عايشناه عام 2006، لكن الأوضاع اليوم أصعب في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة منذ 2019”.

وأكد: “مرجعيتنا الأولى هي الدولة اللبنانية، وفخامة رئيس الجمهورية جوزاف عون هو الضمانة الوحيدة لنقطة العودة إلى حضن الدولة. يجب أن نعمل على خطة فورية للتعويض وإعادة البناء، لأن الوضع الحالي قد يؤدي إلى انقراض هذه البلدات إذا لم تتخذ الحكومة والمجتمع الدولي خطوات جادة”.

وختم حداد بتوضيح حجم الدمار قائلاً: “من بين 400 منزل في علما الشعب، هناك 85 منزلًا دُمرت بالكامل، و275 منزلًا بحاجة إلى ترميم شامل. القطاع الزراعي يعاني أيضًا، فقد جرفت أشجار الزيتون المعمّرة، واحترقت أراضٍ زراعية كبيرة بما فيها أشجار الصنوبر والحمضيات وشتول التبغ ومساحات القمح. كما تكبد القطاع الحيواني خسائر فادحة مع نفوق الدواجن وتدمير حوالي 580 قفير نحل. يد واحدة لا تصفق، ونحتاج إلى تعاون حكومي ودولي لإعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية إلى البلدة”.

في ختام حديثه، ناشد حداد الدولة اللبنانية والحكومة والمجتمع الدولي للتحرك السريع والجاد لمساعدة علما الشعب على إعادة إعمارها وإعادة الحياة الطبيعية إليها، مؤكدًا أن “اليد الواحدة ما بتزقف” وأن “الوضع الكارثي ويتطلب جهودًا موحدة وحلولًا مستدامة لضمان عودة الأهالي إلى أرضهم”.

 

“الجيش اللبناني هو الضمانة والمرجعية الوحيدة”

ومن جهته، صرّح رئيس نادي علما الشعب، إيلي عيد، أن “قرار العودة يوم الأحد تأجّل بسبب المشهد السياسي الذي احتل الشاشات .
وأوضح أننا “كنّا نرغب بالمشاركة في الذبيحة الإلهية على نية أبناء البلدة، لكننا اخترنا النزول الاثنين لتأكيد أن الجيش اللبناني هو مرجعيتنا الوحيدة.”

وأشار عيد إلى أن “الأهالي دخلوا إلى البلدة بشكل سلمي وبرفقة الجيش اللبناني، ولم يتعرضوا لأي مضايقات أو استفزازات. وأضاف: “البلدة مدمرة بالكامل، إذ إن 90% من أبناء البلدة بلا مأوى ومنازلهم متساوية بالأرض، أما باقي المنازل فتضررت بدرجات متفاوتة نتيجة التخريب، الحريق، والزجاج المكسور.”

وعن الأضرار الزراعية، قال عيد: “الأحراج احترقت بنسبة 60%، ما جعل علما الشعب تصنّف من قبل وزارة البيئة كإحدى أكثر المناطق تضررًا بالحرائق خلال الحرب. إضافة إلى ذلك، انجراف كروم الزيتون المعمرة وأشجار السنديان الضاربة بالأرض مئات السنين، ومنها ما احترق كليًا.”

وفيما يتعلق بالقطاع الاقتصادي، لفت عيد إلى أن “المطاعم والمحلات التجارية مغلقة منذ 8 تشرين الأول، والمدارس والأفران متوقفة مع تهجير السكان اي ان اغلبية الأهالي يعانون من البطالة.”

وأكد عيد أن “المساعدات التي وصلت كانت خجولة جدًا، موضحًا أن “البلدية بذلت جهودًا كبيرة وتواصلت مع مختلف الجهات، لكنّ أبناء البلدة تهجّروا منذ بداية الحرب، لكن المعنيين لم يقدموا المساعدات المطلوبة. التواصل مع الجهات المسؤولة لم يُثمر، والحكومة غائبة عن السمع، باستثناء بعض الإعاشات التي قدّمتها لجنة الطوارئ.”

وأضاف: “آمالنا كبيرة بفخامة الرئيس العماد جوزاف عون والرئيس المكلف نواف سلام لتطبيق وقف اطلاق النار للمباشرة بالإصلاحات وإعادة الإعمار”. وأكد أن “الجيش اللبناني يبقى الضمانة الوحيدة للدفاع عن الأرض ولبناء السلام والأمن.”

“لم يبق حجر على حجر.. والإعاشات لا تعوض”

ومن جهته، وصف أحد أبناء البلدة مشهد الوصول إلى علما الشعب قائلاً: “البلدة عزيزة على أهلها، وما حصل كان مريعًا. كل حي يحمل ذكرياتنا وذكريات أجدادنا بات متساويًا بالأرض، ومنزلنا الحبيب لم يبقَ فيه حجر على حجر.”

وتابع: “تهجّرنا منذ 8 تشرين الأول على الرغم من رفضنا لهذه الحرب المدمرة التي فرضت علينا. أبواب أرزاقنا أغلقت منذ ذلك الحين، وخطط الطوارئ التي سمعنا عنها كانت فاشلة؛ فالإعاشات لا تُعوّض ما خسرناه.”

وختم قائلاً: “تعبنا من تحمّل أضرار قرارات الآخرين. أبناؤنا بلا دراسة أو عمل، والرجال والنساء يعانون البطالة. رغم ذلك، لن نستسلم، وسنظل نحمي أرضنا. الدولة والجيش اللبناني هما الضمانة الوحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار. وناشد بدوره، “رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة، للعمل على بناء لبنان الذي نحلم به جميعًا من شماله إلى جنوبه، فالجنوب يستحق الكثير.”

علما الشعب، البلدة الجنوبية التي أنهكتها الحرب مرارا، تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من الألم والصمود. وسط الدمار الشامل الذي طال المنازل والحقول، يصر شعبها على العودة رغم قساوة المشهد. ومع كل خطوة نحو إعادة بناء الحياة، تبرز الحاجة إلى تحرك فوري وفعّال لاعادة بناء الدولة، واعطاء الجيش الحق الوحيد بالدفاع، لضمانة العيش والسلام والآمان بكل انحاء البلاد، لعل حلم لبنان الذي نصبو إليه يصبح يومًا واقعًا نعيشه.