كتبت ماريا خيامي:
إنّ ما يمر به لبنان هذا العام من تغييرات ملحوظة في مناخ شتائه ليس مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر على تحولات قد تكون أكثر تعقيدًا مما نتصور، فالأجواء الربيعية التي تسيطر على الطقس في فصل الشتاء كانت بمثابة جرس إنذار، يطرح أمامنا تساؤلات جادة حول ما إذا كانت هذه التغيرات ناتجة عن ظاهرة التغير المناخي التي تؤثر على مستوى العالم أو هي مجرد استثناء في سنة شتائية غير اعتيادية.
من المؤكد أن لبنان، كما غيره من الدول، ليس بمنأى عن تأثيرات التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم، وإذا كانت درجات الحرارة المرتفعة والطقس الربيعي قد أصبحت سمة واضحة لهذا الشتاء، فإن ذلك يشير إلى أن السنوات المقبلة قد تشهد تقلبات مناخية أكثر حدة وأقل استقرارًا.
من أبرز المخاوف التي أشار إليها العالم البيئي ورئيس الحزب البيئة العالمي الدكتور ضومط كامل هو تأخر الأمطار هذا العام، حيث لا تزال كميات الأمطار أقل من 50% من المعدل المعتاد، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً لموارد المياه في البلاد.
وعلى الرغم من هطول بعض الأمطار، فإنها قد لا تكفي لسدّ الفجوة في الموارد المائية، خاصة أن بحيرة القرعون، التي تعد المصدر الرئيسي للمياه في لبنان، لم تجمع كميات كبيرة هذا العام، ولا يزال السد تحت المستوى المطلوب، بحسب ضومط.
وأضاف: “إن معدلات تساقط الأمطار في لبنان هذا العام تراوحت بين 240 و250 ملم، بينما كانت في العام الماضي تصل إلى حوالي 700 ملم، مما يعكس عجزاً كبيراً في المخزون المائي.”
تدعو التحذيرات التي أطلقها الدكتور كامل إلى التركيز على قضايا أخرى قد تساهم في تفاقم الأزمة، مثل تلوث المجاري المائية الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحي إلى الأنهار الرئيسية مثل نهر أبو علي، نهر بيروت ونهر الليطاني، وتسبب هذه المجاري في تلويث المياه الجوفية التي يتم استخراجها لري المزروعات، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على صحة المواطنين من خلال تلوث غذائي قد يصل إلى منتجاتهم الزراعية.
لكن الأخطر من ذلك هو دخول المياه المالحة إلى المياه الجوفية بسبب استخراج المياه العذبة من الشواطئ اللبنانية، مما أدى إلى تملّح الآبار الارتوازية وتهديدها لصحة المواطنين، هذا يشير إلى أن أزمة المياه في لبنان لا تتعلق فقط بنقص المياه، بل أيضًا بتلوث المياه وعدم الجاهزية لمواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.
الحديث عن التغيرات المناخية لم يعد مقتصرًا على مستوى لبنان، بل أصبح يشكل تحديًا عالميًا يتأثر به لبنان كما باقي الدول، تلك التغيرات أثرت على الكتل الهوائية وأنماط الطقس في المنطقة، ما ساهم في تراجع معدلات الثلوج، التي كانت تعتبر جزءًا من هوية شتاء لبنان.
وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات السلبية، يظل الأمل في الأمطار التي قد تعود قريبًا لتملأ الآبار، لكن مع ذلك، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة أزمة مائية قد تكون أكبر من أي وقت مضى، يختم ضومط.
إن ما يشهده لبنان هذا العام من تغيّرات في الطقس والموارد المائية يتطلب اهتماماً عاجلاً وإجراءات استراتيجية لمواجهة ما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، فمن الضروري أن يتحرك لبنان، بكل مؤسساته، لمعالجة أزمات المياه والتلوث البيئي، ولا سيما مع غياب الجاهزية الكافية للتعامل مع هذه التحديات، إن الفترات المقبلة ستكون حاسمة، ويجب أن يكون هناك تحرك شامل وجاد لإيجاد حلول مستدامة تضمن للبنان بيئة صحية وآمنة للأجيال القادمة.
أمام هذا الواقع، يُطرح السؤال الأساسي: هل نحن مستعدون لمواجهة هذه التحديات؟ فالتغيرات المناخية تتطلب استجابة فورية وفعالة من جميع الجهات، يجب أن يتحرك لبنان بشكل سريع للحد من تأثيرات هذه الظواهر، من خلال اتخاذ تدابير استباقية لمعالجة قضايا شح المياه وتلوث البيئة، والعمل على التكيف مع التغيرات المناخية لضمان استدامة البيئة وحماية صحة المواطنين.