كتبت ماريا خيامي:
في ظل الظروف الأمنية التي يمر بها لبنان في الفترة الأخيرة، أصبح موضوع تزايد أعمال العنف والجرائم أحد القضايا الأكثر إلحاحًا على الساحة اللبنانية، فقد شهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في جرائم القتل والعنف العشوائي، إضافة إلى انتشار السلاح غير الشرعي والمخدرات، مما خلق بيئة مشحونة وغير آمنة في بعض المناطق.
يشعر المواطن اليوم بانعدام الأمن والأمان وسط تصاعد وتيرة الجرائم التي باتت تتنوع بين السرقات والاعتداءات والقتل العمد، مما يثير القلق حول الأسباب الكامنة وراء هذا التدهور الأمني.
فمن جريمة مقتل جورج روكز صاحب معرض السيارات في الضبيه، مرورًا بإميل حديفة في مزرعة يشوع، والأرشمندريت أنانيا كوزانيان في بصاليم، وصاحب محل “OMT” في الأشرفية، وصولًا إلى الشاب خليل خليل في فاريا، تتوالى الجرائم بوتيرة غير مسبوقة، ما يضع الأجهزة الأمنية أمام تحدٍ كبير للحد من هذه الظاهرة، فما هي العوامل التي ساهمت في ازدياد معدل الجرائم في لبنان؟ وكيف يمكن تعزيز الأمن والاستقرار في ظل الأوضاع الراهنة؟
وفي حديث لموقع IMLebabon، أكد العميد الركن المتقاعد خالد حمادة أن أعمال العنف والجرائم في لبنان لا يمكن تصنيفها ضمن الجريمة المنظمة أو الإرهابية، بل هي غالبًا جرائم ناتجة عن دوافع أخلاقية وانفعالية.
وأوضح أن لبنان لا يعيش حاليًا في حالة حرب أهلية أو نزاع بين المواطنين على خلفيات طائفية أو أيديولوجية، بل أن العنف في لبنان يتم على خلفيات اجتماعية وسلوكية، حيث يعكس غالبًا تدني المستوى الأخلاقي والقيمي للمجتمع.
وأشار إلى أن الأسرة اللبنانية قد فقدت ضوابطها الأخلاقية، والمدرسة أيضًا فقدت الكثير من دورها التربوي، إلى جانب غياب الضوابط الأمنية الكافية.
من أهم العوامل التي أشار إليها العميد حمادة هو انتشار السلاح غير الشرعي، الذي أصبح جزءًا من الحياة اليومية في بعض المناطق، مما يؤدي إلى حالات إطلاق النار العشوائي في المناسبات، وبالتالي سقوط قتلى وجرحى، وحذر من أن هذه الظاهرة جعلت صورة المجرم تتغير في لبنان، حيث أصبح الشاب اللبناني في بعض المناطق ينظر إلى المجرم على أنه بطل، خاصة عندما يستخدم السلاح. ولفت الى أن هذا المفهوم انتشر في اللاوعي اللبناني وأدى إلى ترسيخ فكرة أن الجماعات المسلحة لا تعتبر مخطئة وأن أحدًا لا يستطيع ملاحقتها، وهو ما يعزز الجريمة ويفاقمها.
وأشار حمادة إلى أن المخدرات تشكل عاملًا مهمًا في تفشي العنف، حيث أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى زيادة العدوانية والتوتر بين الأفراد، ما يجعلهم أكثر عرضة لارتكاب جرائم، وأضاف أن هذه الظاهرة تساهم في خلق بيئة مشحونة ومتوترة، مما يضاعف من حجم المشكلة الأمنية في البلاد.
النازحون السوريون وتأثيرهم على الوضع الأمني
على الرغم من ارتكاب بعض النازحين السوريين الجرائم، أكد العميد حمادة أن الجريمة في لبنان ليست مرتبطة حصريًا بالوجود السوري، بل إن اللبنانيين أنفسهم يرتكبون نفس أنواع الجرائم، وأشار إلى حادثة جريمة فاريا التي ارتكبها لبناني ضد لبناني آخر.
ضرورة تطبيق القانون
أوضح العميد حمادة أن أحد الأسباب الرئيسية التي تساهم في ازدياد الجرائم في لبنان هو عدم تطبيق القانون بشكل فعّال وغياب الخوف من العقاب، وأضاف أن القضاء في لبنان لا يزال يعاني من مشكلة التأخير في إصدار الأحكام، مما يسهم في إفلات بعض المجرمين من العقاب او تخفيفه.
كما شدد على أن وضع السلاح غير القانوني في يد المواطنين يجعل الوضع أكثر تعقيدًا، ولفت إلى أن هذه الظاهرة تزيد من تأثير السلبية في المجتمعات المحلية، حيث يتمثل لدى الكثير من المراهقين والشباب أن الانتماء إلى بيئات مسلحة يعزز مكانتهم الاجتماعية.
اقتراحات الحلول لمواجهة العنف والجرائم
فيما يتعلق بمواجهة هذه الجرائم، شدد العميد حمادة على ضرورة أن تكون هناك مقاربة شاملة ترتكز على إعادة تفعيل دور التربية والتعليم في المجتمع، وأكد على أهمية العودة إلى دور الأسرة والمدرسة، اللتان تراجعتا في مسؤولياتهما التربوية، وأوضح أنه من الضروري أن تقوم المؤسسات الأمنية بتعزيز استراتيجيات الرقابة والتفتيش في المناطق الساخنة، بالإضافة إلى إنشاء آليات أمنية استباقية، قد تمنع وقوع بعض الجرائم قبل حدوثها.
كما دعا إلى تطوير قوانين جديدة تفرض عقوبات أشد ضد المجرمين، وتؤكد على ضرورة محاسبة حاملي السلاح غير الشرعي، وتحدث عن أهمية تعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية في تبادل المعلومات، على أن يكون هناك تحرك سريع في القبض على المجرمين والمتورطين في عمليات العنف.
التعاون بين المؤسسات الأمنية
أشار العميد حمادة إلى أن الحل لا يكمن فقط في الملاحقة الأمنية، بل في التنسيق بين المؤسسات الأمنية، وحث على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين يعيشون في بيئات قد تكون مهيأة لارتكاب الجرائم، وتوجيههم بعيدًا عن هذا المسار.
إسقاط الحماية عن المجرمين
أوضح العميد حمادة أن هناك عددًا كبيرًا من المجرمين يعتقدون أنهم قادرون على الإفلات من العقاب بسبب اعتقادهم بأنهم يستطيعون الفرار إلى خارج لبنان عبر الحدود البرية التي ما زالت غير خاضعة لإجراءات أمنية مشددة، أو لأنهم يتمتعون بحماية من بعض البيئات، وأكد على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لإسقاط الحماية التي توفرها بعض البيئات للمجرمين، لضمان عدم استمرار هذه الظاهرة.
التحديات المستقبلية والحلول
كما تحدث العميد حمادة عن ضرورة تعاون الحكومة الجديدة مع القوى الأمنية لتفعيل تطبيق القوانين بشكل أكثر صرامة، وضرورة معالجة ظاهرة السلاح المتفلت بشكل شامل، وأكد أن هذا التعاون يجب أن يشمل جميع الأطراف السياسية والاجتماعية بهدف استعادة الأمن والعدالة في البلاد.
وأضاف أن الخطوة الأهم هي إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية والاجتماعية لتأدية دورها بشكل فعال في توجيه الشباب، مشيرًا إلى أن التحديات كبيرة ولكن الحلول موجودة إذا كان هناك إرادة سياسية وإجراءات عملية لتطبيقها.
في الختام، إن تزايد العنف والجرائم في لبنان يستدعي تدخلًا عاجلًا من جميع الجهات المعنية، سواء كانت أمنية أو اجتماعية، ولا بد من تكاتف الجهود لتحسين تطبيق القانون وتعزيز دور المؤسسات التربوية والاجتماعية، كما يجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة تتضمن تقوية أجهزة الأمن، مكافحة السلاح غير الشرعي، وتفعيل القوانين الرادعة، إلى جانب العمل على تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع.